[في وجوب الانتصاف للمظلومالضعيف من الظالم القادر القوي علىالسلطان القاهر الرحيم]أن السلطان القاهر إذا كان له جمع منالعبيد، و كان بعضهم أقوياء و بعضهمضعفاء، وجب على ذلك السلطان إن كان رحيماناظرا مشفقا عليهم أن ينتصف للمظلومالضعيف من الظالم القادر القوي، فإن لميفعل ذلك كان راضيا بذلك الظلم، و الرضابالظلم لا يليق بالرحيم الناظر المحسن.إذا ثبت هذا فنقول: إنه سبحانه سلطان قاهرقادر حكيم منزه عن الظلم و العبث فوجب أنينتصف لعبيده المظلومين من عبيدهالظالمين، و هذا الانتصاف لم يحصل في هذهالدار، لأن المظلوم قد يبقى في غاية الذلةو المهانة، و الظالم يبقى في غاية العزة والقدرة، فلا بد من دار أخرى يظهر فيها هذاالعدل و هذا الإنصاف، و هذه الحجة يصلحجعلها تفسيرا لهذه الآية التي نحن فيتفسيرها.فإن قالوا: إنه تعالى لما أقدر الظالم علىالظلم في هذه الدار، و ما أعجزه عنه، دلعلى كونه راضيا بذلك الظلم.قلنا: الإقدار على الظلم عين الإقدار علىالعدل و الطاعة، فلو لم يقدره تعالى علىالظلم لكان قد أعجزه عن فعل الخيرات والطاعات، و ذلك لا يليق بالحكيم، فوجب فيالعقل إقداره على الظلم و العدل، ثم إنهتعالى ينتقم للمظلوم من الظالم.
الحجة الخامسة:
أنه تعالى خلق هذا العالمو خلق كل من فيه من الناسفإما أن يقال: إنه تعالى خلقهم لا لمنفعة ولا لمصلحة، أو يقال: إنه تعالى خلقهملمصلحة و منفعة. و الأول: يليق بالرحيمالكريم. و الثاني: و هو أن يقال: إنه خلقهملمقصود و مصلحة و خير، فذلك الخير والمصلحة إما أن يحصل في هذه الدنيا أو فيدار أخرى، و الأول باطل من وجهين: الأول: أنلذات هذا العالم جسمانية، و اللذاتالجسمانية لا حقيقة لها إلا إزالة الألم،و إزالة الألم أمر عدمي، و هذا العدم كانحاصلا حال كون كل واحد من الخلائق معدوما،و حينئذ لا يبقى للتخليق فائدة. و الثاني:أن لذات هذا العالم ممزوجة بالآلام والمحن، بل الدنيا طافحة بالشرور و الآفاتو المحن و البليات، و اللذة فيها كالقطرةفي البحر فعلمنا أن الدار التي يصل فيهاالخلق إلى تلك الراحات المقصودة دار أخرىسوى دار الدنيا.فإن قالوا: أليس أنه تعالى يؤلم أهل الناربأشد العذاب لا لأجل مصلحة و حكمة؟ فلم لايجوز أن يقال:إنه تعالى يخلق الخلق في هذا العالم لالمصلحة و لا لحكمة.قلنا: الفرق أن ذلك الضرر ضرر مستحق علىأعمالهم الخبيثة و أما الضرر الحاصل فيالدنيا فغير مستحق، فوجب أن يعقبه خيراتعظيمة و منافع جابرة لتلك المضار السالفة،و إلا لزم أن يكون الفاعل شريرا مؤذيا، وذلك ينافي كونه أرحم الراحمين و أكرمالأكرمين.
الحجة السادسة:
لو لم يحصل للإنسان معادلكان الإنسان أخس من جميع الحيوانات فيالمنزلة و الشرفو اللازم باطل، فالملزوم مثله بيانالملازمة أن مضار الإنسان في الدنيا أكثرمن مضار جميع الحيوانات، فإن سائرالحيوانات قبل وقوعها في الآلام و الأسقامتكون فارغة البال طيبة النفس، لأنه ليسلها فكر و تأمل أما الإنسان فإنه بسبب مايحصل له من العقل يتفكر أبدا في الأحوالالماضية و الأحوال المستقبلة، فيحصل لهبسبب أكثر الأحوال الماضية أنواع من الحزنو الأسف، و يحصل له بسبب أكثر الأحوالالآتية أنواع