رَحِيمٍ [يس: 58] قال الواحدي: و على هذاالتقدير يكون هذا من إضافة المصدر إلىالمفعول، و عندي فيه وجه آخر: و هو أنمواظبتهم على ذكر هذه الكلمة، مشعرة بأنهمكانوا في الدنيا في منزل الآفات و في معرضالمخافات، فإذا أخرجوا من الدنيا و وصلواإلى كرامة اللَّه تعالى، فقد صاروا سالمينمن الآفات، آمنين من المخافات و النقصاناتو قد أخبر اللَّه تعالى عنهم بأنهم يذكرونهذا المعنى في قوله: وَ قالُوا الْحَمْدُلِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّاالْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌشَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَالْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنافِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيهالُغُوبٌ [فاطر: 34، 35].
من مراتب سعاداتهم قولهسبحانه و تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وفيه مسائل:
فقالوا: إن أهل الجنة إذا اشتهوا شيئاقالوا: سبحانك اللهم و بحمدك، و إذا أكلواو فرغوا قالوا: الحمد للَّه رب العالمين، وهذا القائل ما ترقى نظره في دنياه و أخراهعن المأكول و المشروب، و حقيق لمثل هذاالإنسان أن يعد في زمرة البهائم. و أماالمحقون المحققون، فقد تركوا ذلك، و لهمفيه أقوال.
روى الحسن البصرى عن رسول اللَّه صلّىالله عليه وسلّم أنه قال: «إن أهل الجنةيلهمون الحمد و التسبيح كما تلهمونأنفاسكم» و قال الزجاج: أعلم اللَّه تعالىأن أهل الجنة يفتتحون بتعظيم اللَّه تعالىو تنزيهه و يختتمون بشكره و الثناء عليه، وأقول: عندي في هذا الباب وجوه أخر: فأحدها:أن أهل الجنة لما استسعدوا بذكر سبحانكاللهم و بحمدك، و عاينوا ما هم فيه منالسلامة عن الآفات و المخافات، علموا أنكل هذه الأحوال السنية و المقاماتالقدسية، إنما تيسرت بإحسان الحق سبحانه وإفضاله و إنعامه، فلا جرم اشتغلوا بالحمدو الثناء فقالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعالَمِينَ و إنما وقع الختم على هذاالكلام لأن اشتغالهم بتسبيح اللَّه تعالىو تمجيده من أعظم نعم اللَّه تعالى عليهم والاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلكالنعمة، فلهذا السبب وقع الختم على هذهالكلمة، و ثانيها: أن لكل إنسان بحسب قوتهمعراجا، فتارة ينزل عن ذكل المعراج، وتارة يصعد إليه و معراج العارفينالصادقين، معرفة اللَّه تعالى و تسبيحاللَّه و تحميد اللَّه، فإذا قالوا:سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ فهم في عينالمعراج، و إذا نزلوا منه إلى عالمالمخلوقات كان الحاصل عند ذلك النزولإفاضة الخير على جميع المحتاجين و إليهالإشارة بقوله: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيهاسَلامٌ ثم إنه مرة أخرى يصعد إلى معراجه، وعند الصعود يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعالَمِينَ فهذه الكلمات العالية إشارةإلى اختلاف أحوال العبد بسبب النزول والعروج. و ثالثها: أن نقول: إن قولنا اللَّهاسم لذات الحق سبحانه، فتارة ينظر العبدإلى صفات الجلال، و هي المشار إليها بقوله:سُبْحانَكَ ثم يحاول الترقي منها إلى حضرةجلال الذات، ترقيا يليق بالطاقة البشرية،و هي المشار إليها بقوله: اللَّهُمَّ فإذاعرج عن ذلك المكان و اخترق في أوائل تلكالأنوار رجع إلى عالم الإكرام، و هوالمشار إليه بقوله:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَفهذه كلمات خطرت بالبال و دارت في الخيال،فإن حقت فالتوفيق من اللَّه تعالى، و إن لميكن كذلك فالتكلان على رحمة اللَّه تعالى.
فلذلك لم تعمل لخروجها بالتخفيف عن شبهالفعل كقوله: