يحصل إلا بالوحي و الإلهام من اللَّهتعالى، فقوله: لَوْ شاءَ اللَّهُ ماتَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْبِهِ حكم منه عليه الصلاة و السلام بأن هذاالقرآن وحي من عند اللَّه تعالى، لا مناختلافي و لا من افتعالي. و قوله: فَقَدْلَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِإشارة إلى الدليل الذي قررناه، و قوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني أن مثل هذا الكتابالعظيم إذا جاء على يد من لم يتعلم و لميتلمذ و لم يطالع كتابا و لم يمارس مجادلة،يعلم بالضرورة أنه لا يكون إلا على سبيلالوحي و التنزيل و إنكار العلوم الضروريةيقدح في صحة العقل فلهذا السبب قال: أَفَلا تَعْقِلُونَ.
قال سيبويه: يقال دريته و دريت به، والأكثر هو الاستعمال بالباء و الدليل عليهقوله تعالى: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ و لوكان على اللغة الأخرى لقال و لا أدراكموه.
إذا عرفت هذا فنقول: معنى وَ لاأَدْراكُمْ بِهِ أي و لا أعلمكم اللَّه بهو لا أخبركم به. قال صاحب «الكشاف»: قرأالحسن وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ على لغة منيقول أعطأته و أرضأته في معنى أعطيته وأرضيته و يعضده قراءة ابن عباس و لاأنذرتكم به و رواه الفراء و لا أدرأتكم بهبالهمز، و الوجه فيه أن يكون من أدرأته إذادفعته، و أدرأته إذا جعلته داريا، والمعنى: و لا أجعلكم بتلاوته خصماءتدرؤنني بالجدال و تكذبونني، و عن ابنكثير و لأدرأكم بلام الابتداء لإثباتالإدراء.
و أما قوله تعالى: فَقَدْ لَبِثْتُفِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ فالقراءةالمشهورة بضم الميم، و قرىء عمرا بسكونالميم.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَىاللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِإِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)
و اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها ظاهر،و ذلك لأنهم التمسوا منه قرآنا يذكره منعند نفسه، و نسبوه إلى أنه إنما يأتي بهذاالقرآن من عند نفسه، ثم إنه أقام البرهانالقاهر الظاهر على أن ذلك باطل، و أن هذاالقرآن ليس إلا بوحي اللَّه تعالى وتنزيله، فعند هذا قال: فَمَنْ أَظْلَمُمِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباًو المراد أن هذا القرآن لو لم يكن من عنداللَّه، لما كان في الدنيا أحد أظلم علىنفسه مني، حيث افتريته على اللَّه، و لماأقمت الدلالة على أنه ليس الأمر كذلك، بلهو بوحي من اللَّه تعالى وجب أن يقال إنهليس في الدنيا أحد أجهل و لا أظلم على نفسهمنكم، لأنه لما ظهر بالبرهان المذكور كونهمن عند اللَّه، فإذا أنكرتموه كنتم قدكذبتم بآيات اللَّه فوجب أن تكونوا أظلمالناس. و الحاصل أن قوله: فَمَنْ أَظْلَمُمِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباًالمقصود منه نفي الكذب عن نفسه و قوله:أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المقصود منهإلحاق الوعيد الشديد بهم حيث أنكروا دلائلاللَّه، و كذبوا بآيات اللَّه تعالى.
و أما قوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُالْمُجْرِمُونَ فهو تأكيد لما سبق من هذينالكلامين. و اللَّه أعلم.
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لايَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَاللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَبِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لافِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَ تَعالىعَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
اعلم أنا ذكرنا أن القوم إنما التمسوا منالرسول صلّى الله عليه وسلّم قرآنا غيرهذا القرآن أو تبديل، هذا القرآن لأن هذا