مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
القرآن مشتمل على شتم الأصنام التيجعلوها آلهة لأنفسهم، فلهذا السبب ذكراللَّه تعالى في هذا الموضع ما يدل على قبحعبادة الأصنام، ليبين أن تحقيرها والاستخفاف بها أمر حق و طريق متيقن.و اعلم أنه تعالى حكى عنهم أمرين: أحدهما:أنهم كانوا يعبدون الأصنام. و الثاني: أنهمكانوا يقولون:هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ أماالأول فقد نبه اللَّه تعالى على فسادهبقوله: ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لايَنْفَعُهُمْ و تقريره من وجوه: الأول: قالالزجاج: لا يضرهم إن لم يعبدوه و لا ينفعهمإن عبدوه. الثاني: أن المعبود لا بد و أنيكون أكمل قدرة من العابد، و هذه الأصناملا تنفع و لا تضر ألبتة، و أما هؤلاءالكفار فهم قادرون على التصرف في هذهالأصنام تارة بالإصلاح و أخرى بالإفساد، وإذا كان العابد أكمل حالا من المعبود كانتالعبادة باطلة.الثالث: أن العبادة أعظم أنواع التعظيم،فهي لا تليق إلا بمن صدر عنه أعظم أنواعالإنعام، و ذلك ليس إلا الحياة و العقل والقدرة و مصالح المعاش و المعاد، فإذاكانت المنافع و المضار كلها من اللَّهسبحانه و تعالى، وجب أن لا تليق العبادةإلا باللَّه سبحانه.و أما النوع الثاني: ما حكاه اللَّه تعالىعنهم في هذه الآية، و هو قولهم: هؤُلاءِشُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ فاعلم أن منالناس من قال إن أولئك الكفار توهموا أنعبادة الأصنام أشد في تعظيم اللَّه منعبادة اللَّه سبحانه و تعالى فقالوا ليستلنا أهلية أن نشتغل بعبادة اللَّه تعالىبل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، و أنهاتكون شفعاء لنا عند اللَّه تعالى. ثماختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنامإنها شفعاؤنا عند اللَّه؟ و ذكروا فيهأقوالا كثيرة:فأحدها: أنهم اعتقدوا أن المتولي لكلإقليم من أقاليم العالم، روح معين منأرواح عالم الأفلاك، فعينوا لذلك الروحصنما معينا و اشتغلوا بعبادة ذلك الصنم، ومقصودهم عبادة ذلك الروح، ثم اعتقدوا أنذلك الروح يكون عبدا للإله الأعظم ومشتغلا بعبوديته. و ثانيها: أنهم كانوايعبدون الكواكب و زعموا أن الكواكب هيالتي لها أهلية عبودية اللَّه تعالى، ثملما رأوا أن الكواكب تطلع و تغرب وضعوا لهاأصناما معينة و اشتغلوا بعبادتها، ومقصودهم توجيه العبادة إلى الكواكب. وثالثها: أنهم وضعوا طلسمات معينة على تلكالأصنام و الأوثان، ثم تقربوا إليها كمايفعله أصحاب الطلسمات. و رابعها: أنهموضعوا هذه الأصنام و الأوثان على صورأنبيائهم و أكابرهم، و زعموا أنهم متىاشتغلوا بعبادة هذه التماثيل، فإن أولئكالأكابر تكون شفعاء لهم عند اللَّه تعالى،و نظيره في هذا الزمان اشتغال كثير منالخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقادأنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاءلهم عند اللَّه. و خامسها: أنهم اعتقدوا أنالإله نور عظيم، و أن الملائكة أنوارفوضعوا على صورة الإله الأكبر الصنمالأكبر، و على صورة الملائكة صورا أخرى. وسادسها: لعل القوم حلولية، و جوزوا حلولالإله في بعض الأجسام العالية الشريفة.و اعلم أن كل هذه الوجوه باطلة بالدليلالذي ذكره اللَّه تعالى و هو قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لايَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ و تقريرهما ذكرناه من الوجوه الثلاثة.قوله تعالى: قُلْ أَ تُنَبِّئُونَاللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِيالسَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِسُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّايُشْرِكُونَ.اعلم أن المفسرين قرروا وجها واحدا، و هوأن المراد من نفي علم اللَّه تعالى بذلكتقرير نفيه في نفسه، و بيان أنه لا وجود لهألبتة، و ذلك لأنه لو كان موجودا لكانمعلوما للَّه تعالى، و حيث لم يكن معلوماللَّه تعالى وجب أن لا يكون موجودا، و مثلهذا الكلام مشهور في العرف، فإن الإنسانإذا أراد نفي شيء عن نفسه يقول: