و اعتاده من العقائد الباطلة و الأخلاقالذميمة، فظهر أنه لا يمكن تقرير ذلكالمعنى الكلي المذكور في الآية المتقدمةبمثال أحسن و أكمل من المثال المذكور فيهذه الآية.
فقال: أخبرني عن حرفتك: فقال: أنا رجل أتجرفي البحر، فقال: صف لي كيفية حالك فقال:ركبت البحر فانكسرت السفينة و بقيت علىلوح واحد من ألواحها، و جاءت الرياحالعاصفة، فقال جعفر: هل وجدت في قلبك تضرعاو دعاء فقال نعم فقال جعفر: فإلهك هو الذيتضرعت إليه في ذلك الوقت.
كأنه أخذه من قوله تعالى:
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجمعة: 10]و الباقون قرؤا يُسَيِّرُكُمْ من التسيير.
قالوا: دلت هذه الآية على أن سير العباد مناللَّه تعالى، و دل قوله تعالى: قُلْسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الأنعام: 11] على أنسيرهم منهم، و هذا يدل على أن سيرهم منهم ومن اللَّه، فيكون كسبيا لهم و خلقا للَّه ونظيره قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَرَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ[الأنفال: 5] و قال في آية أخرى: إِذْأَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة:40] و قال في آية أخرى: فَلْيَضْحَكُواقَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً [التوبة:82] ثم قال في آية أخرى وَ أَنَّهُ هُوَأَضْحَكَ وَ أَبْكى [النجم: 43] و قال فيآية أخرى وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 7] قالالجبائي: أما كونه تعالى مسيرا لهم فيالبحر على الحقيقة فالأمر كذلك و أماسيرهم في البر فإنما أضيف إلى اللَّهتعالى على التوسع فما كان منه طاعة فبأمرهو تسهيله، و ما كان منه معصية فلأنه تعالىهو الذي أقدره عليه و زاد القاضي فيه يجوزأن يضاف ذلك إليه تعالى من حيث إنه تعالىسخر لهم المركب في البر، و سخر لهم الأرضالتي يتصرفون عليها بإمساكه لها، لأنهتعالى لو لم يفعل ذلك لتعذر عليهم السير. وقال القفال: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْفِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ أي هو اللَّهالهادي لكم إلى السير في البر و البحر طلباللمعاش لكم، و هو المسير لكم، لأجل أنه هيألكم أسباب ذلك السير هذا جملة ما قيل فيالجواب عنه و نحن نقول: لا شك أن المسير فيالبحر هو اللَّه تعالى، لأن اللَّه تعالىهو المحدث لتلك الحركات في أجزاء السفينة،و لا شك أن إضافد الفعل إلى الفاعل هوالحقيقة فنقول: وجب أيضا أن يكون مسيرا لهمفي البر بهذا التفسير، إذ لو كان مسيرا لهمفي البر بمعنى إعطاء الآلات و الأدواتلكان مجازا بهذا الوجه، فيلزم كون اللفظالواحد حقيقة و مجازا دفعة واحدة، و ذلكباطل.
و اعلم أن مذهب الجبائي أنه لامتناع فيكون اللفظ حقيقة و مجازا بالنسبة إلىالمعنى الواحد. و أما أبو هاشم فإنه يقول:إن ذلك ممتنع، إلا أنه يقول: لا يبعد أنيقال إنه تعالى تكلم به مرتين.
و اعلم أن قول الجبائي: قد أبطلناه في أصولالفقه، و قول أبي هاشم أنه تعالى تكلم بهمرتين أيضا بعيد لأن هذا قول لم يقل به أحدمن الأمة ممن كانوا قبله، فكان هذا علىخلاف الإجماع فيكون باطلا.
و اعلم أنه بقي في هذه الآية سؤالات:
كيف جعل الكون في الفلكغاية للتسيير في البحر،
مع أن الكون في الفلك متقدم لا محالة علىالتسيير في البحر؟