لم يجعل الكون في الفلك غايةللتسيير، بل تقدير الكلام كأنه قيل هوالذي يسيركم حتى إذا وقع في جملة تلكالتسييرات الحصول في الفلك كان كذا و كذا.
ما جواب إِذا في قوله:حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ.
هو أن جوابها هو قوله: جاءَتْهارِيحٌ عاصِفٌ ثم قال صاحب «الكشاف»:
و أما قوله: دَعَوُا اللَّهَ فهو بدل منظَنُّوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك.و قال بعض الأفاضل لو حمل قوله: دَعَوُااللَّهَ على الاستئناف كان أوضح، كأنه لماقيل: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُالْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّواأَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ قال قائل فماصنعوا؟ فقيل: دَعَوُا اللَّهَ.
ما الفائدة في صرف الكلاممن الخطاب إلى الغيبة؟
الأول: قال صاحب«الكشاف»: المقصود هو المبالغة كأنه تعالىيذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها، ويستدعى منهم مزيد الإنكار و التقبيح.الثاني: قال أبو علي الجبائي: إن مخاطبتهتعالى لعباده، هي على لسان الرسول عليهالصلاة و السلام، فهي بمنزلة الخبر عنالغائب و كل من أقام الغائب مقام المخاطب،حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب.الثالث: و هو الذي خطر بالبال في الحال، أنالانتقال في الكلام من لفظ الغيبة إلى لفظالحضور فإنه يدل على مزيد التقرب والإكرام و أما ضده و هو الانتقال من لفظالحضور إلى لفظ الغيبة، يدل على المقت والتبعيد.
أما الأول: فكما في سورة الفاتحة، فإنقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ[الفاتحة:
2، 3] كله مقام الغيبة، ثم انتقل منها إلىقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَنَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] و هذا يدل على أنالعبد كأنه انتقل من مقام الغيبة إلى مقامالحضور، و هو يوجب علو الدرجة، و كمالالقرب من خدمة رب العالمين.
و أما الثاني: فكما في هذه الآية، لأنقوله: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِخطاب الحضور، و قوله:
وَ جَرَيْنَ بِهِمْ مقام الغيبة، فههناانتقل من مقام الحضور إلى مقام الغيبة، وذلك يدل على المقت و التبعيد و الطرد، و هواللائق بحال هؤلاء، لأن من كان صفته أنهيقابل إحسان اللَّه تعالى إليه بالكفران،كان اللائق به ما ذكرناه.
كم القيود المعتبرة فيالشرط و القيود المعتبرة في الجزاء؟
أما القيود المعتبرة في الشرط فثلاثة:
أولها: الكون في الفلك، و ثانيها: جرىالفلك بالريح الطيبة، و ثالثها: فرحهم بها.
و أما القيود المعتبرة في الجزاء فثلاثةأيضا:
أولها: قوله: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ و فيهسؤالان:
الضمير في قوله: جاءَتْهاعائد إلى الفلك
و هو ضمير الواحد، و الضمير في قوله:
وَ جَرَيْنَ بِهِمْ عائد إلى الفلك و هوالضمير الجمع، فما السبب فيه؟
الجواب عنه من وجهين: الأول: أنا لا نسلمأن الضمير في قوله: جاءَتْها عائد إلىالفلك، بل نقول إنه عائد إلى الريح الطيبةالمذكورة في قوله: وَ جَرَيْنَ بِهِمْبِرِيحٍ طَيِّبَةٍ الثاني: لو سلمنا ماذكرتم إلا أن لفظ الْفُلْكِ يصلح للواحد والجمع، فحسن الضميران.