وصفهم بالشرك، و ذلك يدل على أن هؤلاء همالكفار، و لأن العلم نور و سلطان العلوم والمعارف هو معرفة اللَّه تعالى، فكل قلبحصل فيه معرفة اللَّه تعالى لم يحصل فيهالظلمة أصلا، و كان الشبلي رحمة اللَّهتعالى عليه يتمثل بهذا و يقول:
و قال القاضي: إن قوله: وَ الَّذِينَكَسَبُوا السَّيِّئاتِ عام يتناول الكافرو الفاسق إلا أنا نقول: الصيغة و إن كانتعامة إلا أن الدلائل التي ذكرناها تخصصه.
الأول: أن يكون التقدير: فلهم جزاء السيئةبمثلها، كما قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ[البقرة: 196] أي فعلية. و الثاني: أن يعلقالجزاء بالباء في قوله: بِمِثْلِها قالابن الأنباري: و على هذا التقدير الثانيفلا بد من عائد الموصول و التقدير: فجزاءسيئة منهم بمثلها.
أما قوله: وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ
فهو معطوف على يجازي، لأن قوله: جَزاءُسَيِّئَةٍ بِمِثْلِها تقديره: يجازي سيئةبمثلها، و قرىء يرهقهم ذلة بالياء.
أما قوله تعالى: كَأَنَّما أُغْشِيَتْوُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِمُظْلِماً ففيه مسائل:
قرأ ابن كثير و الكسائي قِطَعاً بسكونالطاء، و قرأ الباقون بفتح الطاء، و القطعبسكون الطاء القطعة و هي البعض، و منه قولهتعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍمِنَ اللَّيْلِ [هود: 81] أي قطعة. و أما قطعبفتح الطاء، فهو جمع قطعة، و معنى الآية:وصف وجوههم بالسواد، حتى كأنها ألبستسوادا من الليل، كقوله تعالى: تَرَىالَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60] وكقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْوُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمانِكُمْ [آل عمران: 106] و كقوله:يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ[الرحمن: 41] و تلك العلامة هي سواد الوجه وزرقة العين.
المسألة الثانية: قوله: مُظْلِماً قالالفراء و الزجاج: هو نعت لقوله: قِطَعاً
و قال أبو علي الفارسي:
و يجوز أن يجعل حالا كأنه قيل: أغشيتوجوههم قطعا من الليل في حال ظلمته.
وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّنَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوامَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْفَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَ قالَشُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّاناتَعْبُدُونَ (28) فَكَفى بِاللَّهِشَهِيداً بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ إِنْكُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (29)
و فيه مسائل:
[في قوله تعالى وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْجَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَأَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ]
فالضمير في قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْعائد إلى المذكور السابق، و ذلك هو قوله:وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ[يونس: 27] فلما وصف اللَّه هؤلاء الذينيحشرهم بالشرك و الكفر، دل على أن المرادمن قوله: وَ الَّذِينَ كَسَبُواالسَّيِّئاتِ الكفار، و حاصل الكلام: أنهتعالى يحشر العابد و المعبود، ثم إنالمعبود يثبرا من العابد، و يتبين له أنهما فعل ذلك بعلمه