ثم قال تعالى: وَ ما ظَنُّ الَّذِينَيَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وهذا و إن كان في صورة الاستعلام فالمرادمنه تعظيم و عيد من يفتري على اللَّه. و قرأعيسى بن عمر وَ ما ظَنُّ على لفظ الفعل ومعناه أي ظن ظنوه يوم القيامة و جيء بهعلى لفظ الماضي لما ذكرنا أن أحوالالقيامة و إن كانت آتية إلا أنها لما كانتو اجبة الوقوع في الحكمة و لا جرم عبراللَّه عنها بصيغة الماضي.
ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَىالنَّاسِ أي بإعطاء العقل و إرسال الرسل وإنزال الكتب وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لايَشْكُرُونَ فلا يستعملون للعقل فيالتأمل في دلائل اللَّه تعالى و لا يقبلوندعوة أنبياء اللَّه و لا ينتفعون باستماعكتب اللَّه.
أحدهما: بمعنى الذي فينتصب برأيتم و الآخرأن يكون بمعنى أي في الاستفهام، فينتصببأنزل و هو قول الزجاج، و معنى أنزل ههناخلق و أنشأ كقوله: وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَالْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر:6] و جاز أن يعبر عن الخلق بالإنزال، لأن كلما في الأرض من رزق فما أنزل من السماء منضرع و زرع و غيرهما، فلما كان إيجادهبالإنزال سمي إنزالا.
وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوامِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَمِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْشُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَ مايَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِيالسَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61)
[في قوله تعالى وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍوَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ]
في الآية مسائل:
و في أمره بإيراد الجواب عن شبهاتهم، و فيأمره بتحمل أذاهم، و بالرفق معهم ذكر هذاالكلام ليحصل به تمام السلوة و السرورللمطيعين، و تمام الخوف و الفزع للمذنبين،و هو كونه سبحانه عالما بعمل كل و احد، وبما في قلبه من الدواعي و الصوارف، فإنالإنسان ربما أظهر من نفسه نسكا و طاعة وزهدا و تقوى، و يكون باطنه مملوأ من الخبثو ربما كان بالعكس من ذلك فإذا كان الحقسبحانه عالما بما في البواطن كان ذلك منأعظم أنواع السرور للمطيعين و من أعظمأنواع التهديد للمذنبين.
ثم أتبع ذلك بتعميم الخطاب مع كل المكلفينفي شيء و احد، أما الأمران المخصوصانبالرسول عليه الصلاة و السلام فالأول:منهما قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ واعلم أن (ما) ههنا جحد و الشأن الخطب والجمع الشؤن، تقول العرب ما شأن فلان أي ماحاله، قال الأخفش: و تقول ما شأنت شأنه أيما عملت عمله، و فيه وجهان: قال ابن عباس: وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البرو قال الحسن: في شأن من شأن الدنيا و حوائجكفيها. و الثاني: منهما قوله تعالى: وَ ماتَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ و اختلفوافي أن الضمير في قوله: مِنْهُ إلى ماذايعود؟ و ذكروا فيه ثلاثة أوجه: الأول: أنهراجع إلى الشأن لأن تلاوة القرآن شأن منشأن رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم، بلهو معظم شأنه، و على هذا التقدير، فكان هذاداخلا تحت قوله: وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍإلا أنه خصه بالذكر تنبيها على علومرتبته، كما في قوله تعالى: وَمَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَوَ مِيكالَ [البقرة: 98] و كما في قوله: