مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 18 -صفحه : 172/ 107
نمايش فراداده

ذلك الفتى أن يذكر يوسف للملك حتى طالالأمر فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَسِنِينَ بهذا السبب، و من الناس من قالالقول الأول أولى لما روي عنه عليه السلامقال: «رحم اللَّه يوسف لو لم يقل اذكرنيعند ربك ما لبث في السجن» و عن قتادة أنيوسف عليه السلام عوقب بسبب رجوعه إلى غيراللَّه، و عن إبراهيم التيمي أنه لماانتهى إلى باب السجن قال له صاحبه: ماحاجتك قال: أن تذكرني عند رب سوى الرب الذيقال يوسف، و عن مالك لما قال يوسف للساقياذكرني عند ربك قيل: يا يوسف اتخذت من دونيو كيلا لأطيلن حبسك فبكى يوسف و قال: طولالبلاء أنساني ذكر المولى فقلت هذه الكلمةفويل لإخوتي.

قال مصنف الكتاب فخر الدين الرازي رحمهاللَّه، و الذي جربته من أول عمري إلى آخرهأن الإنسان كلما عول في أمر من الأمور علىغير اللَّه صار ذلك سببا إلى البلاء والمحنة، و الشدة و الرزية، و إذا عول العبدعلى اللَّه و لم يرجع إلى أحد من الخلق حصلذلك المطلوب على أحسن الوجوه فهذه التجربةقد استمرت لي من أول عمري إلى هذا الوقتالذي بلغت فيه إلى السابع و الخمسين، فعندهذا استقر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسانفي التعويل على شي‏ء سوى فضل اللَّه تعالىو إحسانه و من الناس من رجح القول الثانيلأن صرف و سوسة الشيطان إلى ذلك الرجل أولىمن صرفها إلى يوسف الصديق، و لأنالاستعانة بالعباد في التخلص من الظلمجائزة.

و اعلم أن الحق هو القول الأول و ما ذكرههذا القائل الثاني تمسك بظاهر الشريعة وما قرره القائل الأول تمسك بأسرار الحقيقةو مكارم الشريعة، و من كان له ذوق في مقامالعبودية و شرب من مشرب التوحيد عرف أنالأمر كما ذكرناه، و أيضا ففي لفظ الآية مايدل على أن هذا القول ضعيف، لأنه لو كانالمراد ذلك لقال فأنساه الشيطان ذكرهلربه.

المسألة الثالثة: الاستعانة بغير اللَّهفي دفع الظلم جائزة في الشريعة لا إنكارعليه‏

إلا أنه لما كان ذلك مستدركا من المحققينالمتوغلين في بحار العبودية لا جرم صاريوسف عليه السلام مؤاخذا به، و عند هذانقول: الذي يصير مؤاخذا بهذا القدر لأنيصير مؤاخذا بالإقدام على طلب الزنا ومكافأة الإحسان بالإساءة كان أولى فلمارأينا اللَّه تعالى آخذه بهذا القدر، و لميؤاخذه في تلك القضية ألبتة، و ما عابه بلذكره بأعظم وجوه المدح و الثناء علمنا أنهعليه السلام كان مبرأ مما نسبه الجهال والحشوية إليه.

المسألة الرابعة: الشيطان يمكنه إلقاءالوسوسة، و أما النسيان فلا،

لأنه عبارة عن إزالة العلم عن القلب، والشيطان لا قدرة له عليه، و إلا لكان قدأزال معرفة اللَّه تعالى عن قلوب بني آدم.

و جوابه: أنه يمكنه من حيث إنه بوسوستهيدعو إلى سائر الأعمال و اشتغال الإنسانبسائر الأعمال يمنعه عن استحضار ذلك العلمو تلك المعرفة.

المسألة الخامسة: قوله: فَلَبِثَ فِيالسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏

فيه بحثان:

البحث الأول: بحسب اللغة قال الزجاج:اشتقاقه من بضعت بمعنى قطعت و معناهالقطعة من العدد قال الفراء: و لا يذكرالبضع إلا مع عشرة أو عشرين إلى التسعين وذلك يقتضي أن يكون مخصوصا بما بين الثلاثةإلى التسعة، و قال هكذا رأيت العرب يقولونو ما رأيتهم يقولون بضع و مائة، و روىالشعبي أن النبي عليه‏