كان كذلك لم يفعل القبيح قالوا: و إنمايكون غنيا عن القبيح إذا كان قادرا، و إذاكان منزها عن داعية السفه فثبت أن وصفهبكونه مكينا أمينا نهاية ما يمكن ذكره فيهذا الباب ثم حكى تعالى أن يوسف عليهالسلام قال في هذا المقام
اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِإِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و فيه مسائل:
قال: أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبةزرعا كثيرا و تبني الخزائن و تجمع فيهاالطعام فإذا جاءت السنون المجدبة بعناالغلات فيحصل بهذا الطريق مال عظيم فقالالملك و من لي بهذا الشغل فقال يوسف:اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ أيعلى خزائن أرض مصر و أدخل الألف و اللامعلى الأرض، و المراد منه المعهود السابق.روى ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبيصلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية أنهقال: «رحم اللَّه أخي يوسف لو لم يقلاجعلني على خزائن الأرض لأستعمله من ساعتهلكنه لما قال ذلك أخره عنه سنة» و أقول هذامن العجائب لأنه لما تأبى عن الخروج منالسجن سهل اللَّه عليه ذلك على أحسنالوجوه و لما تسارع في ذكر الالتماس أخراللَّه تعالى ذلك المطلوب عنه و هذا يدلعلى أن ترك التصرف و التفويض بالكلية إلىاللَّه تعالى أولى.
و أيضا فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر، وأيضا لم لم يصبر مدة و لم أظهر الرغبة فيطلب الإمارة في الحال، و أيضا لم طلب أمرالخزائن في أول الأمر، مع أن هذا يورث نوعتهمة و أيضا كيف جوز من نفسه مدح نفسهبقوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ مع أنهتعالى يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ[النجم: 32] و أيضا فما الفائدة في قوله:إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و أيضا لم تركالاستثناء في هذا فإن الأحسن أن يقول: إنيحفيظ عليم إن شاء اللَّه بدليل قوله تعالى:وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّيفاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَاللَّهُ [الكهف:
23، 24] فهذه أسئلة سبعة لا بد من جوابهافنقول: الأصل في جواب هذه المسائل أنالتصرف في أمور الخلق كان و اجبا عليه،فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان، إنماقلنا: إن ذلك التصرف كان و اجبا عليه لوجوه:الأول: أنه كان رسولا حقا من اللَّه تعالىإلى الخلق، و الرسول يجب عليه رعاية مصالحالأمة بقدر الإمكان، و الثاني: و هو أنهعليه السلام علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضيق الشديد الذي ربما أفضى إلى هلاكالخلق العظيم، فلعله تعالى أمره بأن يدبرفي ذلك و يأتي بطريق لأجله يقل ضرر ذلكالقحط في حق الخلق، و الثالث: أن السعي فيإيصال النفع إلى المستحقين و دفع الضررعنهم أمر مستحسن في العقول.
و إذا ثبت هذا فنقول: إنه عليه السلام كانمكلفا برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه،و ما كان يمكنه رعايتها إلا بهذا الطريق، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، فكانهذا الطريق و اجبا عليه و لما كان و اجباسقطت الأسئلة بالكلية، و أما تركالاستثناء فقال الواحدي: كان ذلك من خطيئةأوجبت عقوبة و هي أنه تعالى أخر عنه حصولذلك المقصود سنة، و أقول: لعل السبب فيهأنه لو ذكر هذا الاستثناء لاعتقد فيهالملك أنه إنما ذكره لعلمه بأنه لا قدرة لهعلى ضبط هذه المصلحة كما ينبغي فلأجل هذاالمعنى ترك الاستثناء، و أما قوله لم مدحنفسه فجوابه من وجوه: الأول: لا نسلم أنهمدح نفسه لكنه بين كونه موصوفا بهاتينالصفتين النافعتين في حصول هذا المطلوب، وبين البابين فرق و كأنه قد غلب على ظنه أنهيحتاج إلى ذكر هذا الوصف لأن الملك