ثم قال: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ
و المعنى أن حصول الاجتماع بين يوسف و بينأبيه و إخوته مع الإلفة و المحبة و طيبالعيش و فراغ البال كان في غاية البعد عنالعقول إلا أنه تعالى لطيف فإذا أراد حصولشيء سهل أسبابه فحصل و إن كان في غايةالبعد عن الحصول.
ثم قال: إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُالْحَكِيمُ
أعني أن كونه لطيفا في أفعاله إنما كانلأجل أنه عليم بجميع الاعتبارات الممكنةالتي لا نهاية لها فيكون عالما بالوجهالذي يسهل تحصيل ذلك الصعب و حكيم أي محكمفي فعله، حاكم في قضائه، حكيم في أفعالهمبرأ عن العبث و الباطل و اللَّه أعلم.
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِالْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْياوَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
في الآية مسائل:
فأدخله خزائن الذهب و الفضة و خزائن الحليو خزائن الثياب و خزائن السلاح، فلماأدخله مخازن القراطيس قال يا بني ماأغفلك، عندك هذه القراطيس و ما كتبت إليعلى ثمان مراحل قال: نهاني جبريل عليهالسلام عنه قال سله عن السبب قال: أنت أبسطإليه فسأله فقال جبريل عليه السلام: أمرنياللَّه بذلك لقولك و أخاف أن يأكله الذئبفهلا خفتني و روي أن يعقوب عليه السلامأقام معه أربعا و عشرين سنة و لما قربت وفاته أوصى إليه أن يدفنه بالشام إلى جنبأبيه إسحق فمضى بنفسه و دفنه ثم عاد إلىمصر و عاش بعد أبيه ثلاثا و عشرين سنة،فعند ذلك تمنى ملك الآخرة فتمنى الموت. وقيل: ما تمناه نبي قبله و لا بعده فتوفاهاللَّه طيبا طاهرا، فتخاصم أهل مصر فيدفنه كل أحد يحب أن يدفه في محلتهم حتىهموا بالقتال قرأوا أن الأصلح أن يعملواله صندوقا من مرمر و يجعلوه فيه و يدفنوهفي النيل بمكان يمر الماء عليه ثم يصل إلىمصر لتصل بركته إلى كل أحد، و ولد لهافراثيم و ميشا، و ولد لافراثيم نون و لنونيوشع فتى موسى، ثم دفن يوسف هناك إلى أنبعث اللَّه موسى فأخرج عظامه من مصر ودفنها عند قبر أبيه.
لأنه لم يؤت إلا بعض ملك الدنيا أو بعض ملكمصر و بعض التأويل. قال الأصم: إنما قال منالملك، لأنه كان ذو ملك فوقه.
و اعلم أن مراتب الموجودات ثلاثة: المؤثرالذي لا يتأثر و هو الإله تعالى و تقدس، والمتأثر الذي لا يؤثر و هو عالم الأجسام،فإنها قابلة للتشكيل و التصوير و الصفاتالمختلفة و الأعراض المتضادة فلا يكون لهاتأثير في شيء أصلا، و هذان القسمانمتباعدان جدا و يتوسطهما قسم ثالث، و هوالذي يؤثر و يتأثر، و هو عالم الأرواح،فخاصية جوهر الأرواح أنها تقبل الأثر والتصرف عن عالم نور جلال اللَّه، ثم إنهاإذا أقبلت على عالم الأجسام تصرفت فيه وأثرت فيه، فتعلق الروح بعالم الأجسامبالتصرف و التدبير فيه، و تعلقه بعالمالإلهيات بالعلم و المعرفة. و قوله تعالى:قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ إشارةإلى تعلق النفس بعالم الأجسام و قوله:
وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِالْأَحادِيثِ إشارة إلى تعلقها بحضرةجلال اللَّه، و لما كان لا نهاية لدرجاتهذين النوعين في الكمال و النقصان و القوةو الضعف و الجلاء و الخفاء، امتنع أن يحصلمنهما للإنسان إلا مقدار متناه، فكان