المسألة الأولى: اعلم أن النبي عليهالصلاة و السلام حكى عن جبريل عليه السلامعن رب العزة - مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
الحاصل في الحقيقة بعضا من أبعاض الملك، وبعضا من أبعاض العلم، فلهذا السبب ذكر فيهكلمة «من» لأنها دالة على التبعيض،ثم قال: فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِو فيه أبحاث:البحث الأول: في تفسير لفظ الفاطر بحسباللغة.قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ما كنتأدري معنى الفاطر حتى احتكم إلى أعرابيانفي بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها و أناابتدأت حفرها. قال أهل اللغة: أصل الفطر فياللغة الشق يقال: فطر ناب البعير إذ بدا وفطرت الشيء فانفطر، أي شققته فانشق، وتفطر الأرض بالنبات و الشجر بالورق إذاتصدعت، هذا أصله في اللغة، ثم صار عبارة عنالإيجاد، لأن ذلك الشيء حال عدمه كأنه فيظلمة و خفاء فلما دخل في الوجود صار كأنهانشق عن العدم و خرج ذلك الشيء منه.البحث الثاني: أن لفظ الفاطر قد يظن أنهعبارة عن تكوين الشيء عن العدم المحضبدليل الاشتقاق الذي ذكرناه، إلا أن الحقأنه لا يدل عليه و يدل عليه وجوه: أحدها:أنه قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِالسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [فاطر: 1] ثم بينتعالى أنه إنما خلقها من الدخان حيث قال:ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَدُخانٌ [فصلت:11] فدل على أن لفظ الفاطر لا يفيد أنه أحدثذلك الشيء من العدم المحض. و ثانيها: أنهقال تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِيفَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: 30] معأنه تعالى إنما خلق الناس من التراب. قالتعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيهانُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْتارَةً أُخْرى [طه: 55] و ثالثها: أنالشيء إنما يكون حاصلا عند حصول مادته وصورته مثل الكوز، فإنه إنما يكون موجوداإذا صارت المادة المخصوصة موصوفة بالصفةالمخصوصة، فعند عدم الصورة ما كان ذلكالمجموع موجودا، و بإيجاد تلك الصورة صارموجدا لذلك الكوز فعلمنا أن كونه موجداللكون لا يقتضي كونه موجدا لمادة الكوز،فثبت أن لفظ الفاطر لا يفيد كونه تعالىموجدا للأجزاء التي منها تركبت السموات والأرض، و إنما صار إلينا كونه تعالى موجدالها بحسب الدلائل العقلية لا بحسب لفظالقرآن.و اعلم أن قوله: فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يوهم أن تخليق السموات مقدم علىتخليق الأرض عند من يقول: الواو تفيدالترتيب، ثم العقل يؤكده أيضا، و ذلك لأنتعين المحيط يوجب تعين المركز و تعينهفإنه لا يوجب تعين المحيط، لأنه يمكن أنيحيط بالمركز الواحد محيطات لا نهاية لها،أما لا يمكن أن يحصل للمحيط الواحد إلامركز و احد بعينه. و أيضا اللفظ يفيد أنالسماء كثيرة و الأرض و احدة، و وجه الحكمةفيه قد ذكرناه في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِالَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ[الأنعام: 1].البحث الثالث: قال الزجاج: نصبه من وجهين:أحدهما: على الصفة لقوله: رَبِّ و هو نداءمضاف في موضع النصب. و الثاني: يجوز أن ينصبعلى نداء ثان.ثم قال: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِو المعنى: أنت الذي تتولى إصلاح جميعمهماتي في الدنيا و الآخرة فوصل الملكالفاني بالملك الباقي، و هذا يدل على أنالإيمان و الطاعة كلمة من اللَّه تعالى إذلو كان ذلك من العبد لكان المتولي لمصالحههو هو، و حينئذ يبطل عموم قوله: أَنْتَوَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ.ثم قال: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ و فيهمسائل:المسألة الأولى: اعلم أن النبي عليهالصلاة و السلام حكى عن جبريل عليه السلامعن رب العزة
أنه قال:«من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ماأعطي السائلين» فلهذا المعنى من أرادالدعاء فلا بد و أن يقدم عليه