و ذلك إشارة إلى ما تقدم يعني به و مثل ذلكالإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياهمن قلب الملك و إنجائنا إياه من غم الحبس،و قوله: مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِيالْأَرْضِ أي أقدرناه على ما يريد برفعالموانع و قوله: يَتَبَوَّأُ مِنْهاحَيْثُ يَشاءُ يتبوأ في موضع نصب علىالحال تقديره مكناه متبوأ و قرأ ابن كثير:نشاء بالنون مضافا إلى اللَّه تعالى والباقون بالياء مضافا إلى يوسف.و اعلم أن قوله: يَتَبَوَّأُ مِنْهاحَيْثُ يَشاءُ يدل على أنه صار في الملكبحيث لا يدافعه أحد، و لا ينازعه منازع بلصار مستقلا بكل ما شاء و أراد ثم بين تعالىما يؤكد أن ذلك من قبله فقال: نُصِيبُبِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ.و اعلم أنه تعالى ذكر أولا أن ذلك التمكينكان من اللَّه لا من أحد سواه و هو قوله:كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِيالْأَرْضِ ثم أكد ذلك ثانيا بقوله:نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ و فيهفائدتان:الفائدة الأولى: أن هذا يدل على أن الكل مناللَّه تعالى. قال القاضي: تلك المملكة لمالم تتم إلا بالأمور فعلها اللَّه تعالىصارت كأنها حصلت من قبله تعالى.و جوابه: أنا ندعي أن نفس تلك المملكة إنماحصلت من قبل اللَّه تعالى، لأن لفظ القرآنيدل على قولنا، و البرهان القاطع الذيذكرناه يقوي قولنا، فصرف هذا اللفظ إلىالمجاز لا سبيل إليه.الفائدة الثانية: أنه أتاه ذلك الملك بمحضالمشيئة الإلهية و القدرة النافذة. قالالقاضي: هذه الآية تدل على أنه تعالى يجريأمر نعمه على ما يتقضيه الصلاح.قلنا: الآية تدل على أن الأمور معلقةبالمشيئة الإلهية و القدرة المحصنة فأمارعاية قيد الصلاح، فأمر اعتبرته أنت مننفسك مع أن اللفظ لا يدل عليه.ثم قال تعالى: وَ لا نُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ و ذلك لأن إضاعة الأجر إماأن يكون للعجز أو للجهل أو للبخل و الكلممتنع في حق اللَّه تعالى، فكانت الإضاعةممتنعة.و اعلم أن هذا شهادة من اللَّه تعالى علىأن يوسف عليه السلام كان من المحسنين و لوصدق القول بأنه جلس بين شعبها الأربعلامتنع أن يقال: إنه كان من المحسنين،فههنا لزم إما تكذيب اللَّه في حكمه علىيوسف بأنه كان من المحسنين و هو عين الكفرأو لزم تكذيب الحشوي فيما رواه و هو عينالإيمان و الحق.ثم قال تعالى: وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِخَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوايَتَّقُونَ و فيه مسائل:
المسألة الأول: في تفسير هذه الآية قولان:
القول الأول:المراد منه أن يوسف عليه السلام و إن كانقد وصل إلى المنازل العالية و الدرجاتالرفيعة في الدنيا إلا أن الثواب الذيأعده اللَّه له في الآخرة خير و أفضل وأكمل و جهات الترجيح قد ذكرناها في هذا