المسألة الأولى: أنه تعالى أخبر عنالسفينة أنها استوت على الجودي،
فهناك قد خرج نوح و قومه من السفينة لامحالة، ثم إنهم نزلوا من ذلك الجبل إلىالأرض فقوله: اهْبِطْ يحتمل أن يكون أمرابالخروج من السفينة إلى أرض الجبل و أنيكون أمرا بالهبوط من الجبل إلى الأرضالمستوية.
المسألة الثانية: أنه تعالى و عده عندالخروج بالسلامة أولا، ثم بالبركة ثانيا،
أما الوعد بالسلامة فيحتمل وجهين: الأول:أنه تعالى أخبر في الآية المتقدمة أن نوحاعليه السلام تاب عن زلته و تضرع إلى اللَّهتعالى بقوله: وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ[هود: 47] و هذا التضرع هو عين التضرع الذيحكاه اللَّه تعالى عن آدم عليه السلام عندتوبته من زلته و هو قوله: رَبَّنا ظَلَمْناأَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَالْخاسِرِينَ [الأعراف: 23] فكان نوح عليهالسلام محتاجا إلى أن بشره اللَّه تعالىبالسلامة من التهديد و الوعيد فلما قيل له:يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا حصل لهالأمن من جميع المكاره المتعلقة بالدين. والثاني: أن ذلك الغرق لما كان عاما في جميعالأرض فعند ما خرج نوح عليه السلام منالسفينة علم أنه ليس في الأرض شيء مماينتفع به من النبات و الحيوان، فكانكالخائف في أنه كيف يعيش و كيف يدفع جميعالحاجات عن نفسه من المأكول و المشروب،فلما قال اللَّه تعالى: اهْبِطْ بِسَلامٍمِنَّا زال عنه ذلك الخوف، لأن ذلك يدل علىحصول السلامة من الآفات و لا يكون ذلك إلامع الأمن و سعة الرزق، ثم إنه تعالى لما وعده بالسلامة أردفه بأن و عده بالبركة هيعبارة عن الدوام و البقاء، و الثبات، و نيلالأمل، و منه بروك الإبل، و منه البركةلثبوت الماء فيها، و منه تبارك و تعالى، أيثبت تعظيمه، ثم اختلف المفسرون في تفسيرهذا الثبات و البقاء.فالقول الأول: أنه تعالى صير نوحا أباالبشر، لأن جميع من بقي كانوا من نسله وعند هذا قال هذا القائل: إنه لما خرج نوح منالسفينة مات كل من كان معه ممن لم يكن منذريته و لم يحصل النسل إلا من ذريته،فالخلق كلهم من نسله و ذريته، و قال آخرون:لم يكن في سفينة نوح عليه السلام إلا منكان من نسله و ذريته، و على التقديرينفالخلق كلهم إنما تولدوا منه و من أولاده،و الدليل عليه قوله تعالى: وَ جَعَلْناذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ [الصافات:77] فثبت أن نوحا عليه السلام كان آدمالأصغر، فهذا هو المراد من البركات التيوعده اللَّه بها.و القول الثاني: أنه تعالى لما و عدهبالسلامة من الآفات، وعده بأن موجباتالسلامة، و الراحة و الفراغة يكون فيالتزايد و الثبات و الاستقرار، ثم إنهتعالى لما شرفه بالسلامة و البركة شرحبعده حال أولئك الذين كانوا معه فقال: وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ و اختلفوافي المراد منه على ثلاثة أقوال: منهم منحمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمما و جماعات، لأنه ما كان في ذلكالوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم،فلهذا السبب جعلهم أمما، و منهم من قال: بلالمراد ممن معك نسلا و تولدا قالوا: و دليلذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا و قدحكم اللَّه تعالى عليهم بالقلة في قولهتعالى: وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ[هود: 40] و منهم من