المسألة الثالثة: قوله: يا أَسَفى عَلىيُوسُفَ نداء الأسف
و هو كقوله: «يا عجبا» و التقدير كأنهينادي الأسف و يقول: هذا وقت حصولك و أوانمجيئك و قد قررنا هذا المعنى في مواضعكثيرة منها في تفسير قوله:حاشَ لِلَّهِ [يوسف: 31] و الأسف الحزن علىما فات. قال الليث: إذا جاءك أمر فحزنت له ولم تطقه فأنت أسيف أي حزني و متأسف أيضا.قال الزجاج: الأصل يا أَسَفى إلا أن ياءالإضافة يجوز إبدالها بالألف لخفة الألف والفتحة.ثم قال تعالى: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُمِنَ الْحُزْنِو فيه وجهان:الوجه الأول: أنه لما قال يا أسفى على يوسفغلبه البكاء، و عند غلبة البكاء يكثرالماء في العين فتصير العين كأنها ابيضتمن بياض ذلك الماء و قوله: وَ ابْيَضَّتْعَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ كناية عن غلبةالبكاء، و الدليل على صحة هذا القول أنتأثير الحزن في غلبة البكاء لا في حصولالعمى فلو حملنا الابيضاض على غلبة البكاءكان هذا التعليل حسنا و لو حملناه علىالعمى لم يحسن هذا التعليل، فكان ماذكرناه أولى و هذا للتفسير مع الدليل رواهالواحدي في «البسيط» عن ابن عباس رضياللَّه عنهما.و الوجه الثاني: أن المراد هو العمى قالمقاتل: لم يبصر بهما ست سنين حتى كشفاللَّه تعالى عنه بقميص يوسف عليه السلامو هو قوله: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِأَبِي يَأْتِ بَصِيراً [يوسف: 93] قيل إنجبريل عليه السلام دخل على يوسف عليهالسلام حينما كان في السجن فقال إن بصرأبيك ذهب من الحزن عليك فوضع يده على رأسهو قال: ليت أمي لم تلدني و لم أك حزنا علىأبي، و القائلون بهذا التأويل قالوا:الحزن الدائم يوجب البكاء الدائم و هويوجب العمى، فالحزن كان سببا للعمى بهذهالواسطة، و إنما كان البكاء الدائم يوجبالعمى، لأنه يورث كدورة في سوداء العين، ومنهم من قال: ما عمي لكنه صار بحيث يدركإدراكا ضعيفا.قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسفعليه السلام إلى حين لقائه، و تلك المدةثمانون عاما، و ما