[في قوله تعالى قالَ يا بُنَيَّ لاتَقْصُصْ رُؤْياكَ]
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حفص يا بُنَيَّ بفتحالياء
و الباقون بالكسر.
المسألة الثانية: أن يعقوب عليه السلامكان شديد الحب ليوسف و أخيه فحسده إخوتهلهذا السبب
و ظهر ذلك المعنى ليعقوب عليه السلامبالأمارات الكثيرة فلما ذكر يوسف عليهالسلام هذه الرؤيا و كان تأويلها أن إخوتهو أبويه يخضعون له فقال لا تخبرهم برؤياكفإنهم يعرفون تأويلها فيكيدوا لك كيدا.
المسألة الثالثة: قال الواحدي: الرؤيامصدر كالبشرى و السقيا و الشورى
إلا أنه لما صار اسما لهذا المتخيل فيالمنام جرى مجرى الأسماء. قال صاحب«الكشاف»: الرؤيا بمعنى الرؤية إلا أنهامختصة بما كان منها في المنام دون اليقطةفلا جرم فرق بينهما بحرفي التأنيث، كماقيل: القربة و القربى و قرىء روياك بقلبالهمزة و اوا و سمع الكسائي يقرأ رياك ورياك بالإدغام و ضم الراء و كسرها و هيضعيفة.ثم قال تعالى: فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداًو هو منصوب بإضمار أن و المعنى إن قصصتهاعليهم كادوك.فإن قيل: فلم لم يقل فيكيدوك كما قال:فَكِيدُونِي [هود: 55].قلنا: هذه اللام تأكيد للصلة كقولهلِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ، و كقولك نصحتك ونصحت لك و شكرتك و شكرت لك، و قيل هي من صلةالكيد على معنى فيكيدوا كيدا لك. قال أهلالتحقيق: و هذا يدل على أنه قد كان لهم علمبتعبير الرؤيا و إلا لم يعلموا من هذهالرؤيا ما يوجب حقدا و غضبا.ثم قال: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِعَدُوٌّ مُبِينٌو السبب في هذا الكلام أنهم لو أقدموا علىالكيد لكان ذلك مضافا إلى الشيطان و نظيرهقول موسى عليه السلام هذا من عمل الشيطان،
[في قوله تعالى وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَرَبُّكَ إلى قوله إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌحَكِيمٌ]
ثم إن يعقوب عليه السلام قصد بهذه النصيحةتعبير تلك الرؤيا و ذكروا أمورا: أولها:قوله: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَيعني و كما اجتباك بمثل هذه الرؤياالعظيمة الدالة على شرف و عز و كبر شأنكذلك يجتبيك لأمور عظام. قال الزجاج:الاجتباء مشتق من جبيت الشيء إذا خلصتهلنفسك و منه جبيت الماء في الحوض، واختلفوا في المراد بهذا الاجتباء، فقالالحسن: يجتبيك ربك بالنبوة، و قال آخرون:المراد منه إعلاء الدرجة و تعظيم المرتبةفأما تعيين النبوة فلا دلالة في اللفظعليه. و ثانيها: قوله: وَ يُعَلِّمُكَ مِنْتَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ و فيه وجوه:الأول: المراد منه تعبير الرؤيا سماهتأويلا لأنه يؤل أمره إلى ما رآه في المناميعني تأويل أحاديث الناس فيما يرونه فيمنامهم. قالوا: إنه عليه السلام كان في علمالتعبير غاية، و الثاني: تأويل الأحاديثفي كتب اللَّه تعالى و الأخبار المروية عنالأنبياء المتقدمين، كما أن الواحد منعلماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله، و تأويل الأحاديث المروية عنالرسول صلّى الله عليه وسلّم، و الثالث:الأحاديث جمع حديث، و الحديث هو الحادث، وتأويلها مآلها، و مآل الحوادث إلى قدرةاللَّه تعالى و تكوينه و حكمته، و المرادمن تأويل الأحاديث كيفية الاستدلالبأصناف المخلوقات الروحانية و الجسمانيةعلى قدرة اللَّه تعالى و حكمته و جلالته، وثالثها: قوله: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُعَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ.