و التقدير: لمنعتكم و لبالغت في دفعكم ونظيره قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناًسُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [الرعد: 31] وقوله: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَىالنَّارِ [الأنعام:27] قال الواحدي و حذف الجواب ههنا لأنالوهم يذهب إلى أنواع كثيرة من المنع والدفع.
المسألة الثانية: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْقُوَّةً أي لو أن لي ما أتقوى به عليكم
و تسمية موجب القوة بالقوة جائز قالاللَّه تعالى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَااسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْرِباطِ الْخَيْلِ [الأنفال: 60] و المرادالسلاح، و قال آخرون القدرة على دفعهم، وقوله: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍالمراد منه الموضع الحصين المنيع تشبيهاله بالركن الشديد من الجبل.فإن قيل: ما الوجه ههنا في عطف الفعل علىالاسم؟قلنا: قال صاحب «الكشاف»: قرىء أَوْ آوِيبالنصب بإضمار أن، كأنه قيل لو أن لي بكمقوة أو آويا.و اعلم أن قوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْقُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍلا بد من حمل كل و احد من هذين الكلامين علىفائدة مستقلة، و فيه وجوه: الأول: المرادبقوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةًكونه بنفسه قادرا على الدفع و كونه متمكناإما بنفسه و إما بمعاونة غيره على قهرهم وتأديبهم، و المراد بقوله: أَوْ آوِي إِلىرُكْنٍ شَدِيدٍ هو أن لا يكون له قدرة علىالدفع لكنه يقدر على التحصن بحصن ليأمن منشرهم بواسطته. الثالث:أنه لما شاهد سفاهة القوم و إقدامهم علىسوء الأدب تمنى حصول قوة قوية على الدفع،ثم استدرك على نفسه و قال: بلى الأولى أنآوى إلى ركن شديد و هو الاعتصام بعنايةاللَّه تعالى، و على هذا التقدير فقوله:أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ كلاممنفصل عما قبله و لا تعلق له به، و بهذاالطريق لا يلزم عطف الفعل على الاسم، ولذلك قال النبي عليه السلام: «رحم اللَّهأخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد».