المسألة الثانية: من الجهال من عاب يعقوبعليه السلام على قوله: يا أَسَفى عَلىيُوسُفَ
قال: لأن هذا إظهار للجزع و جار مجرىالشكاية من اللَّه و أنه لا يجوز، والعلماء بينوا أنه ليس الأمر كما ظنه هذاالجاهل، و تقريره أنه عليه السلام لم يذكرهذه الكلمة ثم عظم بكاؤه، و هو المراد منقوله: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَالْحُزْنِ ثم أمسك لسانه عن النياحة، وذكر مالا ينبغي، و هو المراد من قوله:فَهُوَ كَظِيمٌ ثم إنه ما أظهر الشكاية معأحد من الخلق بدليل قوله: إِنَّماأَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَىاللَّهِ و كل ذلك يدل على أنه لما عظمتمصيبته و قويت محنته فإنه صبر و تجرع الغصةو ما أظهر الشكاية فلا جرم استوجب به المدحالعظيم و الثناء العظيم.روي أن يوسف عليه السلام سأل جبريل هل لكعلم بيعقوب؟ قال نعم قال: و كيف حزنه؟ قال:حزن سبعين ثكلى و هي التي لها ولد واحد ثميموت. قال: فهل له فيه أجر؟ قال: نعم أجرمائة شهيد.فإن قيل: روي عن محمد بن علي الباقر قال: مربيعقوب شيخ كبير فقال له أنت إبراهيم فقال:أنا ابن ابنه و الهموم غيرتني و ذهبت بحسنيو قوتي، فأوحي اللَّه تعالى إليه: «حتى متىتشكوني إلى عبادي و عزتي و جلالي لو لمتشكني لأبدلنك لحما خيرا من لحمك و دماخيرا من دمك» فكان من بعد يقول: إنما أشكوبثي و حزني إلى اللَّه و عن النبي صلّىالله عليه وسلّم أنه قال: «كان ليعقوب أخمواخ» فقال له: ما الذي أذهب بصرك و قوسظهرك فقال الذي أذهب بصري البكاء على يوسفو قوس ظهري الحزن على بنيامين، فأوحىاللَّه تعالى إليه «أما تستحي تشكوني إلىغيري» فقال: إنما أشكو بثي و حزني إلىاللَّه، فقال يا رب أما ترحم الشيخ الكبيرقوست ظهري، و أذهبت بصري، فاردد عليريحانتي يوسف و بنيامين فأتاه جبريل عليهالسلام بالبشرى و قال: لو كانا ميتينلنشرتهما لك فاصنع طعاما للمساكين، فإنأحب عبادي إلي الأنبياء و المساكين، و كانيعقوب عليه السلام إذا أراد الغداء نادىمناديه من أراد الغداء فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائما نادى مثله عند الإفطار. وروي أنه كان يرفع حاجبيه بخرقة من الكبر،فقال له رجل: ما هذا الذي أراه بك، قال طولالزمان و كثرة الأحزان، فأوحى اللَّه إليه«أتشكوني يا يعقوب» فقال: يا رب خطيئةأخطأتها فاغفرها لي.قلنا: إنا قد دللنا على أنه لم يأت إلابالصبر و الثبات و ترك النياحة. و روي أنملك الموت دخل على يعقوب عليه السلام فقالله: جئت لتقبضني قبل أن أرى حبيبي فقال: لا،و لكن جئت لأحزن لحزنك و أشجو لشجوك، و أماالبكاء فليس من المعاصي. و روي أن النبيعليه الصلاة و السلام: بكى على ولدهإبراهيم عليه السلام و قال: «إن القلبليحزن و العين تدمع، و لا نقول: ما يسخطالرب و إنا عليك يا إبراهيم لمحزونون» وأيضا فاستيلاء الحزن على الإنسان ليسباختياره، فلا يكون ذلك داخلا تحت التكليفو أما التأوه و إرسال البكاء فقد يصير بحيثلا يقدر على دفعه، و أما ما و رد فيالروايات التي ذكرتم فالمعاتبة فيها إنماكانت لأجل أن حسنات الأبرار سيئاتالمقربين. و أيضا ففيه دقيقة أخرى و هي أنالإنسان إذا كان في موضع التحير و التردد