[سورة هود (11): الآيات 105 الى 108] - مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
لأنه تعالى لما حكى أحوال المتقدمين قال:وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَالْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ فبين أن كل منشارك أولئك المتقدمين في فعل ما لا ينبغي،فلا بد و أن يشاركهم في ذلك الأخذ الأليمالشديد.ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةًلِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِقال القفال: تقرير هذا الكلام أن يقال: إنهؤلاء إنما عذبوا في الدنيا لأجل تكذيبهمالأنبياء و إشراكهم باللَّه، فإذا عذبوافي الدنيا على ذلك و هي دار العمل، فلأنيعذبوا عليه في الآخرة التي هي دار الجزاءكان أولى.و اعلم أن كثيرا ممن تنبه لهذا البحث منالمفسرين عولوا على هذا الوجه، بل هو ضعيفو ذلك لأن على هذا الوجه الذي ذكره القفاليكون ظهور عذاب الاستئصال في الدنيا دليلاعلى أن القول بالقيامة و البعث و النشر حقو صدق، و ظاهر الآية يقتضي أن العلم بأنالقيامة حق كالشرط في حصول الاعتبار بظهورعذاب الاستئصال، و هذا المعنى كالمضاد لماذكره القفال، لأن القفال يجعل العلم بعذابالاستئصال أصلا للعلم بأن القيامة حق،فبطل ما ذكره القفال و الأصوب عندي أنيقال: العلم بأن القيامة حق موقوف علىالعلم بأن المدبر لوجود هذه السموات والأرضين فاعل مختار لا موجب بالذات و ما لميعرف الإنسان أن إله العالم فاعل مختار وقادر على كل الممكنات و أن جميع الحوادثالواقعة في السموات و الأرضين لا تحصل إلابتكوينه و قضائه، لا يمكنه أن يعتبر بعذابالاستئصال، و ذلك لأن الذين يزعمون أنالمؤثر في وجود هذا العالم موجب بالذاتبلا فاعل مختار، يزعمون أن هذه الأحوالالتي ظهرت في أيام الأنبياء مثل الغرق والحرق و الخسف و المسخ و الصيحة كلها إنماحدثت بسبب قرانات الكواكب و اتصال بعضهاببعض، و إذا كان الأمر كذلك فحينئذ لا يكونحصولها دليلا على صدق الأنبياء، فأما الذييؤمن بالقيامة، فلا يتم ذلك الإيمان إلاإذا اعتقد أنه إله العالم فاعل مختار و أنهعالم بجميع الجزئيات، و إذا كان الأمركذلك لزم القطع بأن حدوث هذه الحوادثالهائلة و الوقائع العظيمة إنما كان بسببأن إله العالم خلقها و أوجدها و أنها ليستبسبب طوالع الكواكب و قراناتها، و حينئذينتفع بسماع هذه القصص، و يستدل بها علىصدق الأنبياء، فثبت بهذا صحة قوله: إِنَّفِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَالْآخِرَةِ.ثم قال تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌلَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.و اعلم أنه تعالى لما ذكر الآخرة وصف ذلكاليوم بوصفين: أحدهما: أنه يوم مجموع لهالناس، و المعنى أن خلق الأولين و الآخرينكلهم يحشرون في ذلك اليوم و يجمعون. والثاني: أنه يوم مشهود قال ابن عباس رضياللَّه عنهما يشهده البر و الفاجر. و قالآخرون يشهده أهل السماء و أهل الأرض، والمراد من الشهود الحضور، و المقصود منذكره أنه ربما وقع في قلب إنسان أنهم لماجمعوا في ذلك الوقت لم يعرف كل أحد إلاواقعة نفسه، فبين تعالى أن تلك الوقائعتصير معلومة للكل بسبب المحاسبة والمسألة.ثم قال تعالى: وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلَّالِأَجَلٍ مَعْدُودٍو المعنى أن تأخير الآخرة و إفناء الدنياموقوف على أجل معدود و كل ماله عدد فهومتناه و كل ما كان متناهيا فإنه لا بد و أنيفنى، فيلزم أن يقال إن تأخير الآخرةسينتهي إلى وقت لا بد و أن يقيم اللَّهالقيامة فيه، و أن تخرب الدنيا فيه، و كلما هو آت قريب.[سورة هود (11): الآيات 105 الى 108]
يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌإِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوافَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِالسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَرَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمايُرِيدُ (107) وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوافَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها مادامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108)