فقال: كلمة «لعل» يجب حملها على الجزم والتقدير: إنا أنزلناه قرآنا عربيا لتعقلوامعانيه في أمر الدين، إذ لا يجوز أن يرادبلعلكم تعقلون؟ الشك لأنه على اللَّهمحال، فثبت أن المراد أنه أنزله لإرادة أنيعرفوا دلائله، و ذلك يدل على أنه تعالىأراد من كل العباد أن يعقلوا توحيده و أمردينه، من عرف منهم، و من لم يعرف، بخلافقول المجبرة.و الجواب: هب أن الأمر ما ذكرتم إلا أنهيدل على أنه تعالى أنزل هذه السورة، و أرادمنهم معرفة كيفية هذه القصة و لكن لم قلتمإنها تدل على أنه تعالى أراد من الكلالإيمان و العمل الصالح.
المسألة الأولى: روى سعيد بن جبير أنهتعالى لما أنزل القرآن على رسول اللَّهصلّى الله عليه وسلّم و كان يتلوه علىقومه،
فقالوا يا رسول اللَّه لو قصصت علينافنزلت هذه السورة فتلاها عليهم فقالوا لوحدثتنا فنزل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَالْحَدِيثِ كِتاباً [الزمر: 23] فقالوا لوذكرتنا فنزل: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَآمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْلِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16].
المسألة الثانية: القصص اتباع الخبر بعضهبعضا
و أصله في اللغة المتابعة قال تعالى: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [القصص: 11] أياتبعي أثره و قال تعالى: فَارْتَدَّاعَلى آثارِهِما قَصَصاً [الكهف: 64] أياتباعا و إنما سميت الحكاية قصصا لأن الذييقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا كمايقال تلا القرآن إذا قرأه لأنه يتلو أييتبع ما حفظ منه آية بعد آية و القصص في هذهالآية يحتمل أن يكون مصدرا بمعنى الاقتصاصيقال قص الحديث يقصه قصا و قصصا إذا طرده وساقه كما يقال أرسله يرسله إرسالا و يجوزأن يكون من باب تسمية المفعول بالمصدركقولك هذا قدرة اللَّه تعالى أي مقدوره وهذا الكتاب علم فلان أي معلومه و هذارجاؤنا أي مرجونا فإن حملناه على المصدركان المعنى نقص عليك أحسن الاقتصاص، و علىهذا التقدير فالحسن يعود إلى حسن البيانلا إلى القصة و المراد من هذا الحسن كونهذه الألفاظ فصيحة بالغة في الفصاحة إلىحد الإعجاز ألا ترى أن هذه القصة مذكورة فيكتب التواريخ مع أن شيئا منها لا يشابه هذهالسورة في الفصاحة و البلاغة و إن حملناهعلى المفعول كان معنى كونه أحسن القصص لمافيه من العبر و النكت و الحكم و العجائبالتي ليست في غيرها فإن إحدى الفوائد التيفي هذه القصة أنه لا دافع لقضاء اللَّهتعالى و لا مانع من قدر اللَّه تعالى و أنهتعالى إذا قضى للإنسان بخير و مكرمة فلو أنأهل العالم اجتمعوا عليه لم يقدروا علىدفعه.و الفائدة الثانية: دلالتها على أن الحسدسبب للخذلان و النقصان.و الفائدة الثالثة: أن الصبر مفتاح الفرجكما في حق يعقوب عليه السلام فإنه لما صبرفاز بمقصوده، و كذلك في حق يوسف عليهالسلام.فأما قوله: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَهذَا الْقُرْآنَ فالمعنى بوحينا إليك هذاالقرآن، و هذا التقدير إن جعلنا «ما» معالفعل بمنزلة المصدر.