المسألة الثانية: اعلم أن ذلك العذاب قدوصفه اللَّه تعالى في هذه الآية بنوعين منالوصف
فالأول: قوله:جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها روي أن جبريلعليه السلام أدخل جناحه الواحد تحت مدائنقوم لوط و قلعها و صعد بها إلى السماء حتىسمع أهل السماء نهيق الحمير و نباح الكلابو صياح الديوك، و لم تنكفىء لهم جرة و لمينكب لهم إناء، ثم قلبها دفعة و احدة وضربها على الأرض.و اعلم أن هذا العمل كان معجزة قاهرة منوجهين: أحدهما: أن قلع الأرض و إصعادها إلىقريب من السماء فعل خارق للعادات. والثاني: أن ضربها من ذلك البعد البعيد علىالأرض بحيث لم تتحرك سائر القرى المحيطةبها ألبتة، و لم تصل الآفة إلى لوط عليهالسلام و أهله مع قرب مكانهم من ذلك الموضعمعجزة قاهرة أيضا. الثاني: قوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْسِجِّيلٍ و اختلفوا في السجيل على وجوه:الأول: أنه فارسي معرب و أصله سنككل و أنهشيء مركب من الحجر و الطين بشرط أن يكونفي غاية الصلابة، قال الأزهري:لما عربته العرب صار عربيا و قد عربتحروفا كثيرة كالديباج و الديوان والاستبرق. و الثاني: سجيل، أي مثل السجل وهو الدلو العظيم. و الثالث: سجيل، أي شديدمن الحجارة. الرابع: مرسلة عليهم من أسجلتهإذا أرسلته و هو فعيل منه. الخامس: منأسجلته، أي أعطيته تقديره مثل العطية فيالإدرار، و قيل: كان كتب عليها أساميالمعذبين. السادس: و هو من السجل و هوالكتاب تقديره من مكتوب في الأزل أي كتباللَّه أن يعذبهم بها، و السجيل أخذ منالسجل و هو الدلو العظيمة لأنه يتضمنأحكاما كثيرة، و قيل: مأخوذ من المساجلة وهي المفاخرة. و السابع: من سجيل أي من جهنمأبدلت النون لاما، و الثامن: من السماءالدنيا، و تسمى سجيلا عن أبي زيد، والتاسع: السجيل الطين، لقوله تعالى:حِجارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات: 33] و هو قولعكرمة و قتادة. قال الحسن كان أصل الحجر هومن الطين، إلا أنه صلب بمرور الزمان، والعاشر: سجيل موضع الحجارة، و هي جبالمخصوصة، و منه قوله تعالى: مِنْ جِبالٍفِيها مِنْ بَرَدٍ [النور: 43].و اعلم أنه تعالى وصف تلك الحجارة بصفات:فالصفة الأولى: كونها من سجيل، و قد سبقذكره.الصفة الثانية: قوله تعالى: مَنْضُودٍ قالالواحدي: هو مفعول من النضد، و هو موضعالشيء بعضه على بعض، و فيه وجوه: الأول:أن تلك الحجارة كان بعضها فوق بعض فيالنزول فأتى به على سبيل المبالغة.و الثاني: أن كل حجر فإن ما فيه من الأجزاءمنضود بعضها ببعض، و ملتصق بعضها ببعض. والثالث: أنه تعالى كان قد خلقها في معادنهاو نضد بعضها فوق بعض، و أعدها لإهلاكالظلمة.و اعلم أن قوله: مَنْضُودٍ صفة للسجيل.الصفة الثالثة: مسومة، و هذه الصفة صفةللأحجار و معناها المعلمة، و قد مضىالكلام فيه في تفسير قوله: وَ الْخَيْلِالْمُسَوَّمَةِ [آل عمران: 14] و اختلفوا فيكيفية تلك العلامة على وجوه: الأول: قالالحسن و السدي: كان عليها أمثال الخواتيم.الثاني: قال ابن صالح: رأيت منها عند أمهانىء حجارة فيها خطوط حمر على هيئةالجزع. الثالث: قال ابن جريج: كان عليهاسيما لا تشارك حجارة الأرض، و تدل على أنهتعالى إنما خلقها للعذاب. الرابع: قالالربيع: مكتوب على كل حجر اسم من رمى به.ثم قال تعالى: عِنْدَ رَبِّكَ أي فيخزائنه التي لا يتصرف فيها أحد إلا هو.