المسألة الثانية: قالوا: (ما) في قوله:إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي بمعنى «من» - مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُبِالْغَيْبِ [يوسف: 52] كلام يوسف كان هذاأيضا من كلام يوسف، و إن قلنا إن ذلك منتمام كلام المرأة كان هذا أيضا كذلك و نحننفسر هذه الآية على كلا التقديرين، أماإذا قلنا إن هذا كلام يوسف عليه السلامفالحشوية تمسكوا به و قالوا: إنه عليهالسلام لما قال: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّيلَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال جبريلعليه السلام و لا حين هممت بفك سراويلكفعند ذلك قال يوسف: وَ ما أُبَرِّئُنَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌبِالسُّوءِ أي بالزنا إِلَّا ما رَحِمَرَبِّي أي عصم ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌللهم الذي هممت به رَحِيمٌ أي لو فعلتهلتاب علي.
و اعلم أن هذا الكلام ضعيف فإنا بينا أنالآية المتقدمة برهان قاطع على براءته عنالذنب بقي أن يقال:
فما جوابكم عن هذه الآية فنقول فيه وجهان:
الوجه الأول: أنه عليه السلام لما قال:ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُبِالْغَيْبِ كان ذلك جاريا مجرى مدح النفسو تزكيتها، و قال تعالى: فَلا تُزَكُّواأَنْفُسَكُمْ [النجم: 32] فاستدرك ذلك علىنفسه بقوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي والمعنى: و ما أزكي نفسي إن النفس لأمارةبالسوء ميالة إلى القبائح راغبة فيالمعصية.
و الوجه الثاني: في الجواب أن الآية لا تدلألبتة على شيء مما ذكروه و ذلك لأن يوسفعليه السلام لما قال: أَنِّي لَمْأَخُنْهُ بِالْغَيْبِ بين أن ترك الخيانةما كان لعدم الرغبة و لعدم ميل النفس والطبيعة، لأن النفس أمارة بالسوء والطبيعة تواقة إلى اللذات فبين بهذاالكلام أن الترك ما كان لعدم الرغبة، بللقيام الخوف من اللَّه تعالى. أما إذاقلنا: إن هذا الكلام من بقية كلام المرأةففيه وجهان: الأول: و ما أبرىء نفسي عنمراودته و مقصودها تصديق يوسف عليه السلامفي قوله: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِيالثاني: أنها لما قالت: ذلِكَ لِيَعْلَمَأَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف:52] قالت و ما أبرىء نفسي عن الخيانة مطلقافإني قد خنته حين قد أحلت الذنب عليه و قلت:ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاًإِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌأَلِيمٌ [يوسف: 25] و أودعته السجن كأنهاأرادت الاعتذار مما كان.
فإن قيل جعل هذا الكلام كلاما ليوسف أولىأم جعله كلاما للمرأة؟
قلنا: جعله كلاما ليوسف مشكل، لأن قوله:قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَحَصْحَصَ الْحَقُّ [يوسف: 51] كلام موصولبعضه ببعض إلى آخره، فالقول بأن بعضه كلامالمرأة و البعض كلام يوسف مع تخلل الفواصلالكثيرة بين القولين و بين المجلسين بعيد،و أيضا جعله كلاما للمرأة مشكل أيضا، لأنقوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّالنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِإِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي كلام لا يحسنصدوره إلا ممن احترز عن المعاصي، ثم يذكرهذا الكلام على سبيل كسر النفس، و ذلك لايليق بالمرأة التي استفرغت جهدها فيالمعصية.
المسألة الثانية: قالوا: (ما) في قوله:إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي بمعنى «من»
و التقدير: إلا من رحم ربي، و ما و من كل واحد منهما يقوم مقام الآخر كقوله تعالى:فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَالنِّساءِ [النساء: 3] و قال:
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلىأَرْبَعٍ [النور: 45] و قوله: إِلَّا مارَحِمَ رَبِّي استثناء متصل أو منقطع، فيهوجهان:
الأول: أنه متصل، و في تقريره وجهان:الأول: أن يكون قوله: إِلَّا ما رَحِمَرَبِّي أي إلا البعض الذي رحمه ربيبالعصمة كالملائكة. الثاني: إلا ما رحم ربيأي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارةبالسوء في كل وقت إلا في وقت العصمة.