المسألة الثانية: قال أهل اللغة: حَصْحَصَالْحَقُّ معناه: وضح و انكشف و تمكن فيالقلوب و النفوس
من قولهم: حصحص البعير في بروكه، إذا تمكنو استقر في الأرض. قال الزجاج: اشتقاقه فياللغة من الحصة، أي بانت حصة الحق من حصةالباطل.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن قوله:ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُبِالْغَيْبِ كلام من؟
و فيه أقوال:القول الأول: و هو قول الأكثرين أنه قوليوسف عليه السلام. قال الفراء: و لا يبعدوصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلتالقرينة عليه و مثاله قوله تعالى: إِنَّالْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةًأَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَأَهْلِها أَذِلَّةً [النمل: 34] و هذا كلامبلقيس. ثم إنه تعالى قال: وَ كَذلِكَيَفْعَلُونَ و أيضا قوله تعالى: رَبَّناإِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لارَيْبَ فِيهِ [آل عمران: 9] كلام الداعي.ثم قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُالْمِيعادَ بقي على هذا القول سؤالات:السؤال الأول: قوله: ذلِكَ إشارة إلىالغائب، و المراد ههنا: الإشارة إلى تلكالحادثة الحاضرة.و الجواب: أجبنا عنه في قوله: ذلِكَالْكِتابُ [البقرة: 2] و قيل: ذلك إشارة إلىما فعله من رد الرسول كأنه يقول ذلك الذيفعلت من ردي الرسول إنما كان، ليعلم الملكأني لم أخنه بالغيب.السؤال الثاني: متى قال يوسف عليه السلامهذا القول؟الجواب: روى عطاء عن ابن عباس رضي اللَّهعنهما أن يوسف عليه السلام لما دخل علىالملك قال ذلك ليعلم و إنما ذكره على لفظالغيبة تعظيما للملك عن الخطاب و الأولىأنه عليه السلام إنما قال ذلك عند عودالرسول إليه لأن ذكر هذا الكلام في حضرةالملك سوء أدب.السؤال الثالث: هذه الخيانة و قعت في حقالعزيز فكيف يقول: ذلِكَ لِيَعْلَمَأَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ.و الجواب: قيل المراد ليعلم الملك أني لمأخن العزيز بالغيبة، و قيل إنه إذا خان وزيره فقد خانه من بعض الوجوه، و قيل إنالشرابي لما رجع إلى يوسف عليه السلام و هوفي السجن قال ذلك ليعلم العزيز أني لم أخنهبالغيب ثم ختم الكلام بقوله: وَ أَنَّاللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَو لعل المراد منه أني لو كنت خائنا لماخلصني اللَّه تعالى من هذه الورطة، و حيثخلصني منها ظهر أني كنت مبرأ عما نسبونيإليه.و القول الثاني: أن قوله: ذلِكَلِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُبِالْغَيْبِ كلام امرأة العزيز و المعنى:أني و إن أحلت الذنب عليه عند حضوره لكنيما أحلت الذنب عليه عند غيبته، أي لم أقلفيه و هو في السجن خلاف الحق. ثم إنها بالغتفي تأكيد الحق بهذا القول، و قالت: وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَالْخائِنِينَ يعني أني لما أقدمت على