قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاَّتَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُإِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ(33) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَعَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)و اعلم أن المرأة لما قالت: وَ لَئِنْ لَمْيَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32] وسائر النسوة سمعن هذا التهديد فالظاهرأنهن اجتمعن على يوسف عليه السلام و قلن لامصلحة لك في مخالفة أمرها و إلا و قعت فيالسجن و في الصغار فعند ذلك اجتمع في حقيوسف عليه السلام أنواع من الوسوسة:أحدها: أن زليخا كانت في غاية الحسن. والثاني: أنها كانت ذات مال و ثروة، و كانتعلى عزم أن تبذل الكل ليوسف بتقدير أنيساعدها على مطلوبها. و الثالث: أن النسوةاجتمعن عليه و كل و احدة منهن كانت ترغبه وتخوفه بطريق آخر، و مكر النساء في هذاالباب شديد، و الرابع: أنه عليه السلام كانخائفا من شرها و إقدامها على قتله وإهلاكه، فاجتمع في حق يوسف جميع جهاتالترغيب على موافقتها و جميع جهات التخويفعلى مخالفتها، فخاف عليه السلام أن تؤثرهذه الأسباب القوية الكثيرة فيه.و اعلم أن القوة البشرية و الطاقةالإنسانية لا تفي بحصول هذه العصمةالقوية، فعند هذا التجأ إلى اللَّه تعالىو قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ و قرىءالسجن بالفتح على المصدر، و فيه سؤالان:السؤال الأول: السجن في غاية المكروهية، وما دعونه إليه في غاية المطلوبية، فكيفقال: المشقة أحب إلي من اللذة؟و الجواب: أن تلك اللذة كانت تستعقب آلاماعظيمة، و هي الذم في الدنيا و العقاب فيالآخرة، و ذلك المكروه و هو اختيار السجنكان يستعقب سعادات عظيمة، و هي المدح فيالدنيا و الثواب الدائم في الآخرة، فلهذاالسبب قال: السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّمِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.السؤال الثاني: أن حبسهم له معصية كما أنالزنا معصية، فكيف يجوز أن يحب السجن معأنه معصية.و الجواب: تقدير الكلام أنه إذا كان لا بدمن التزام أحد الأمرين أعني الزنا والسجن، فهذا أولى، لأنه