المسألة الأولى: في قوله: وَ أَوْحَيْناإِلَيْهِ قولان:
أحدهما: أن المراد منه الوحي و النبوة والرسالة و هذا قول طائفة عظيمة منالمحققين، ثم القائلون بهذا القولاختلفوا في أنه عليه السلام هل كان في ذلكالوقت بالغا أو كان صبيا قال بعضهم: إنهكان في ذلك الوقت بالغا و كان سنه سبع عشرةسنة، و قال آخرون: إنه كان صغيرا إلا أناللَّه تعالى أكمل عقله و جعله صالحالقبول الوحي و النبوة كما في حق عيسى عليهالسلام.و القول الثاني: إن المراد من هذا الوحيالإلهام كما في قوله تعالى: وَ أَوْحَيْناإِلى أُمِّ مُوسى [القصص:7] و قوله: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَىالنَّحْلِ [النحل: 68] و الأول: لأن الظاهرمن الوحي ذلك.فإن قيل: كيف يجعله نبيا في ذلك الوقت وليس هناك أحد يبلغه الرسالة؟قلنا: لا يمتنع أن يشرفه بالوحي و التنزيلو يأمره بتبليغ الرسالة بعد أوقات و يكونفائدة تقديم الوحي تأنيسه و تسكين نفسه وإزالة الغم و الوحشة عن قلبه.
المسألة الثانية: في قوله: وَ هُمْ لايَشْعُرُونَ قولان:
الأول: المراد أن اللَّه تعالى أوحى إلىيوسف إنك لتخبرن إخوتك بصنيعهم بعد هذااليوم و هم لا يشعرون في ذلك الوقت إنكيوسف، و المقصود تقوية قلبه بأنه سيحصل لهالخلاص عن هذه المحنة و يصير مستولياعليهم و يصيرون تحت قهره و قدرته. و رويأنهم حين دخلوا عليه لطلب الحنطة و عرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده،ثم نقره فظن، فقال: إنه ليخبرني هذا الجامأنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسففطرحتموه في البئر و قلتم لأبيكم أكلهالذئب.و الثاني: أن المراد إنا أوحينا إلى يوسفعليه السلام في البئر بأنك تنبىء إخوتكبهذه الأعمال، و هم ما كانوا يشعرون بنزولالوحي عليه، و الفائدة في إخفاء نزول ذلكالوحي عنهم أنهم لو عرفوه فربما ازدادحسدهم فكانوا يقصدون قتله.
المسألة الثالثة: إذا حملنا قوله: وَ هُمْلا يَشْعُرُونَ على التفسير الأول، كانهذا أمرا من اللَّه تعالى نحو يوسف
في أن يستر نفسه عن أبيه و أن لا يخبرهبأحوال نفسه، فلهذا السبب كتم أخبار نفسهعن أبيه طول تلك المدة، مع علمه بوجد أبيهبه خوفا من مخالفة أمر اللَّه تعالى، و صبرعلى تجرع تلك المرارة، فكان اللَّه سبحانهو تعالى قد قضى على يعقوب عليه السلام أنيوصل إليه تلك الغموم الشديدة و الهمومالعظيمة ليكثر رجوعه إلى اللَّه تعالى، وينقطع تعلق فكره عن الدنيا فيصل إلى درجةعالية في العبودية لا يمكن الوصول إليهاإلا بتحمل المحن الشديدة. و اللَّه أعلم.