قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّلَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْأَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَالْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِأَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنامَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاًلَظالِمُونَ (79)اعلم أنه تعالى بين أنهم بعد الذي ذكروهمن قولهم: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَأَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف: 77] أحبواموافقته و العدول إلى طريقة الشفاعة فإنهمو إن كانوا قد اعترفوا أن حكم اللَّه تعالىفي السارق أن يستعبد، إلا أن العفو و أخذالفداء كان أيضا جائزا، فقالوا يا أيهاالعزيز إن له أبا شيخا كبيرا أي في السن، ويجوز أن يكون في القدر و الدين، و إنماذكروا ذلك لأن كونه ابنا لرجل كبير القدريوجب العفو و الصفح. ثم قالوا:فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يحتمل أن يكونالمراد على طريق الاستبعاد و يحتمل أنيكون المراد على طريق الرهن حتى نوصلالفداء إليك. ثم قالوا: إِنَّا نَراكَ مِنَالْمُحْسِنِينَ و فيه وجوه: أحدها: إنانراك من المحسنين لو فعلت ذلك. و ثانيها:إنا نراك من المحسنين إلينا حيث أكرمتنا وأعطيتنا البذل الكثير و حصلت لنا مطلوبناعلى أحسن الوجوه و رددت إلينا ثمن الطعام.و ثالثها: نقل أنه عليه السلام لما اشتدالقحط على القوم و لم يجدوا شيئا يشترون بهالطعام، و كانوا يبيعون أنفسهم منه فصارذلك سببا لصيرورة أكثر أهل مصر عبيدا له ثمإنه أعتق الكل، فلعلهم قالوا: إِنَّانَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلى عامةالناس بالإعتاق فكن محسنا أيضا إلى هذاالإنسان بإعتاقه من هذه المحنة، فقاليوسف: مَعاذَ اللَّهِ أي أعود باللَّهمعاذا أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده،أي أعوذ باللَّه أن آخذ بريئا بمذنب قالالزجاج: موضع «أن» نصب و المعنى: أعوذباللَّه من أخذ أحد بغيره فلما سقطت كلمة«من» انتصب الفعل عليه و قوله: إِنَّاإِذاً لَظالِمُونَ أي لقد تعديت و ظلمت إنآذيت إنسانا بجرم صدر عن غيره.فإن قيل: هذه الواقعة من أولها إلى آخرهاتزوير و كذب، فكيف يجوز من يوسف عليهالسلام مع رسالته الإقدام على هذا التزويرو الترويج و إيذاء الناس من غير سبب لاسيما و يعلم أنه إذا حبس أخاه عند نفسهبهذه التهمة فإنه يعظم حزن أبيه و يشتدغمه، فكيف يليق بالرسول المعصوم المبالغةفي التزوير إلى هذا الحد.