[في قوله تعالى يا بَنِيَّ اذْهَبُوافَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ]
و المقام الثاني: أنه رجع إلى أولاده وتكلم معهم على سبيل اللطف و هو قوله: يابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْيُوسُفَ وَ أَخِيهِ.و اعلم أنه عليه السلام لما طمع في وجدانيوسف بناء على الأمارات المذكورة قاللبنيه: تحسسوا من يوسف، و التحسس طلبالشيء بالحاسة و هو شبيه بالسمع و البصر،قال أبو بكر الأنباري يقال: تحسست عن فلانو لا يقال من فلان، و قيل: ههنا من يوسفلأنه أقام من مقام عن، قال: و يجوز أن يقال:من للتبعيض، و المعنى تحسسوا خبرا منأخبار يوسف، و استعلموا بعض أخبار يوسففذكرت كلمة (من) لما فيها من الدلالة علىالتبعيض، و قرىء تَجَسَّسُوا بالجيم كماقرىء بهما في الحجرات.ثم قال: وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِاللَّهِقال الأصمعي: الروح ما يجده الإنسان مننسيم الهواء فيسكن إليه و تركيب الراء والواو و الحاء يفيد الحركة و الاهتزاز،فكلما يهعتز الإنسان له و يلتذ بوجوده فهوروح. و قال ابن عباس: لا تيئسوا من روحاللَّه يريد من رحمة اللَّه، و عن قتادة:من فضل اللَّه، و قال ابن زيد: من فرجاللَّه، و هذه الألفاظ متقاربة، و قرأالحسن و قتادة: من روح اللَّه بالضم أي منرحمته.ثم قال: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِاللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: إن المؤمنمن اللَّه على خير يرجوه في البلاء و يحمدهفي الرخاء.و اعلم أن اليأس من رحمة اللَّه تعالى لايحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غيرقادر على الكمال أو غير عالم بجميعالمعلومات أو ليس بكريم بل هو بخيل و كلواحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، فإذا كاناليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذهالثلاثة، و كل واحد منها كفر ثبت أن اليأسلا يحصل إلا لمن كان كافرا و اللَّه أعلم،و قد بقي من مباحث هذه الآية سؤالات:السؤال الأول: أن بلوغ يعقوب في حب يوسفإلى هذا الحد العظيم لا يليق إلا بمن كانغافلا عن اللَّه،فإن من عرف اللَّه أحبه و من أحب اللَّه لميتفرغ قلبه لحب شيء سوى اللَّه تعالى، وأيضا القلب الواحد لا يتسع للحب المستغرقلشيئين، فلما كان قلبه مستغرقا في حب ولدهامتنع أن يقال: إنه كان مستغرقا في حباللَّه تعالى.و السؤال الثاني: أن عند استيلاء الحزنالشديد عليه كان من الواجب أن يشتغل بذكراللَّه تعالى، و بالتفويض إليه و التسليملقضائه.و أما قوله: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَفذلك لا يليق بأهل الدين و العلم فضلا عنأكابر الأنبياء.و السؤال الثالث: لا شك أن يعقوب كان منأكابر الأنبياء،و كان أبوه و جده و عمه كلهم من أكابرالأنبياء المشهورين في جميع الدنيا، و منكذلك ثم و قعت له واقعة هائلة صعبة في أعزأولاده عليه لم تبق تلك الواقعة خفية، بللا بد و أن يبلغ في الشهرة إلى حيث يعرفهاكل أحد لا سيما و قد انقضت المدة الطويلةفيها و بقي يعقوب على حزنه الشديد و أسفهالعظيم، و كان يوسف في مصر و كان يعقوب فيبعض بلاد الشام قريبا من