الأول: أن المراد من هذا الأمر ما هو ضدالنهي و يدل عليه وجوه:الأول: أن لفظ الأمر حقيقة في هذا المعنىمجاز في غيره دفعا للاشتراك. الثاني: أنالأمر لا يمكن حمله ههنا على العذاب، و ذلكلأنه تعالى قال: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُناجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها و هذا الجعلهو العذاب، فدلت هذه الآية على أن هذاالأمر شرط و العذاب جزاء، و الشرط غيرالجزاء، فهذا الأمر غير العذاب، و كل منقال بذلك قال إنه هو الأمر الذي هو ضدالنهي. و الثالث: أنه تعالى قال: قبل هذهالآية إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِلُوطٍ [هود: 70] فدل هذا على أنهم كانوامأمورين من عند اللَّه تعالى بالذهاب إلىقوم لوط و بإيصال هذا العذاب إليهم.إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى أمر جمعا منالملائكة بأن يخربوا تلك المدائن في وقتمعين، فلما جاء ذلك الوقت أقدموا على ذلكالعمل، فكان قوله: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُناإشارة إلى ذلك التكليف.فإن قيل: لو كان الأمر كذلك، لوجب أن يقال:فلما جاء أمرنا جعلوا عاليها سافلها، لأنالفعل صدر عن ذلك المأمور.قلنا: هذا لا يلزم على مذهبنا، لأن فعلالعبد فعل اللَّه تعالى عندنا. و أيضا أنالذي وقع منهم إنما وقع بأمر اللَّه تعالىو بقدرته، فلم يبعد إضافته إلى اللَّه عز وجل، لأن الفعل كما تحسن إضافته إلىالمباشر، فقد تحسن أيضا إضافته إلى السبب.القول الثاني: أن يكون المراد من الأمرههنا قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنالِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَلَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] و قد تقدمتفسير ذلك الأمر.القول الثالث: أن يكون المراد من الأمرالعذاب و على هذا التقدير فيحتاج إلىالإضمار، و المعنى: و لما جاء وقت عذابناجعلنا عاليها سافلها.