وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِلَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِيأَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍفَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64)فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِيدارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌغَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)اعلم أن العادة فيمن يدعي النبوة عند قوميعبدون الأصنام أن يبتدىء بالدعوة إلىعبادة اللَّه ثم يتبعه بدعوى النبوة لا بدو أن يطلبوا منه المعجزة و أمر صالح عليهالسلام هكذا كان يروى أن قومه خرجوا في عيدلهم فسألوه أن يأتيهم بآية و أن يخرج لهممن صخرة معينة أشاروا إليها ناقة فدعاصالح ربه فخرجت الناقة كما سألوا.و اعلم أن تلك الناقة كانت معجزة من وجوه:الأول: أنه تعالى خلقها من الصخرةو ثانيها:أنه تعالى خلقها في جوف الجبل ثم شق عنهاالجبل. و ثالثها: أنه تعالى خلقها حاملا منغير ذكر. و رابعها: أنه خلقها على تلكالصورة دفعة و احدة من غير و لادة، وخامسها: ما روي أنه كان لها شرب يوم و لكلالقوم شرب يوم آخر، و سادسها: أنه كان يحصلمنها لبن كثير يكفي الخلق العظيم، و كل منهذه الوجوه معجز قوي و ليس في القرآن، إلاأن تلك الناقة كانت آية و معجزة، فأما بيانأنها كانت معجزة من أي الوجوه فليس فيهبيانه.ثم قال: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِاللَّهِ و المراد أنه عليه السلام رفع عنالقوم مؤنتها، فصارت مع كونها آية لهمتنفعهم و لا تضرهم، لأنهم كانوا ينتفعونبلبنها على ما روي أنه عليه السلام خافعليها منهم لما شاهد من إصرارهم علىالكفر، فإن الخصم لا يحب ظهور حجة خصمه، بليسعى في إخفاءها و إبطالها بأقصى الإمكان،فلهذا السبب كان يخاف من إقدامهم علىقتلها، فلهذا احتاط و قال: وَ لاتَمَسُّوها بِسُوءٍ و توعدهم إن مسوهابسوء بعذاب قريب، و ذلك تحذير شديد لهم منالإقدام على قتلها، ثم بين اللَّه تعالىأنهم مع ذلك عقروها و ذبحوها، و يحتمل أنهمعقروها لإبطال تلك الحجة، و أن يكون لأنهاضيقت الشرب على القوم، و أن يكون لأنهمرغبوا في شحمها و لحمها، و قوله:فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ يريداليوم الثالث، و هو قوله:تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثم بين تعالىأن القوم عقروها، فعند ذلك قال لهم صالحعليه السلام: تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْثَلاثَةَ أَيَّامٍ و معنى التمتع: التلذذبالمنافع و الملاذ التي تدرك بالحواس، ولما كان التمتع لا يحصل إلا للحي عبر به عنالحياة، و قوله: فِي دارِكُمْ فيه وجهان:الأول: أن المراد من الدار البلد، و تسمىالبلاد بالديار، لأنه يدار فيها أي يتصرفيقال: ديار بكر أي بلادهم. الثاني: أنالمراد بالديار الدنيا. و قوله: ذلِكَوَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي غير مكذب والمصدر قد يرد بلفظ المفعول كالمجلود والمعقول و بأيكم المفتون، و قيل غير مكذوبفيه، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنهتعالى لما أمهلهم تلك الأيام الثلاثة فقدرغبهم في الإيمان، و ذلك لأنهم لما عقرواالناقة أنذرهم صالح عليه السلام بنزولالعذاب، فقالوا و ما علامة ذلك؟ فقال: تصيروجوهكم في اليوم الأول مصفرة، و في الثانيمحمرة، و في الثالث مسودة، ثم يأتيكمالعذاب في اليوم الرابع،