المسألة الثانية: اختلفوا في المرادبالبشرى على وجهين:
الأول: أن المراد ما بشره اللَّه بعد ذلكبقوله:فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْوَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ الثاني: أنالمراد منه أنه بشر إبراهيم عليه السلامبسلامة لوط و بإهلاك قومه.و أما قوله: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة و الكسائي قالواسلم قال سلم بكسر السين و سكون اللام بغيرألف،
و في و الذاريات مثله. قال الفراء: لا فرقبين القراءتين كما قالوا حل و حلال و حرم وحرام لأن في التفسير أنهم لما جاؤا سلمواعليه. قال أبو علي الفارسي: و يحتمل أن يكونسلم خلاف العدو و الحرب كأنهم لما امتنعوامن تناول ما قدمه إليهم نكرهم و أوجس منهمخيفة قال إنا سلم و لست بحرب و لا عدو فلاتمتنعوا من تناول طعامي كما يمتنع منتناول طعام العدو، و هذا الوجه عندي بعيد،لأن على هذا التقدير ينبغي أن يكون تكلمإبراهيم عليه السلام بهذا اللفظ بعد إحضارالطعام، إلا أن القرآن يدل على أن هذاالكلام إنما وجد قبل إحضار الطعام لأنهتعالى قال: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌفَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ[هود: 69] و الفاء للتعقيب، فدل ذلك على أنمجيئه بذلك العجل الحنيذ كان بعد ذكرالسلام.
أي لست مريدا غير السلامة و الصلح. قالالواحدي: و يحتمل أن يكون المراد: سلامعليكم، فجاء به مرفوعا حكاية لقوله كماقال: و حذف عنه الخبر كما حذف من قوله:فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18] و إنما يحسن هذاالحذف إذا كان المقصود معلوما بعد الحذف،و ههنا المقصود معلوم فلا جرم حسن الحذف، ونظيره قوله تعالى: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ [الزخرف: 89] على حذف الخبر.و اعلم أنه إنما سلم بعضهم على بعض، رعايةللإذن المذكور في قوله تعالى: لاتَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْحَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُواعَلى أَهْلِها.
المسألة الثالثة: أكثر ما يستعمل سَلامٌعَلَيْكُمْ بغير ألف و لام،
و ذلك لأنه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم:خير بين يديك.فإن قيل: كيف جاز جعل النكرة مبتدأ؟ قلنا:النكرة إذا كانت موصوفة جاز جعلها مبتدأ،فإذا قلت سلام عليكم: فالتنكير في هذاالموضع يدل على التمام و الكمال، فكأنهقيل: سلام كامل تام عليكم، و نظيره قولنا:سلام عليك، و قوله تعالى: قالَ سَلامٌعَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي[مريم: 47] و قوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْرَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58] سَلامٌ عَلى نُوحٍفِي الْعالَمِينَ [الصافات: 79]الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْمِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ[الرعد: 23، 24] فأما قوله تعالى: وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى[طه: 47] فهذا أيضا جائز، و المراد منهالماهية و الحقيقة.و أقول: قوله: سَلامٌ عَلَيْكُمْ أكمل منقوله: السلام عليكم، لأن التنكير في قوله:سَلامٌ عَلَيْكُمْ يفيد الكمال والمبالغة و التمام. و أما لفظ السلام: فإنهلا يفيد إلا الماهية. قال الأخفش: من العربمن يقول: سلام