[في قوله تعالى قالَ لا يَأْتِيكُماطَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّانَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَأَنْ يَأْتِيَكُما]
و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن المذكور في هذهالآية ليس بجواب لما سألا عنه فلا بد ههنامن بيان الوجه الذي لأجله عدل عن ذكرالجواب إلى هذا الكلام و العلماء ذكروافيه وجوها: الأول: أنه لما كان جواب أحدالسائلين أنه يصلب، و لا شك أنه متى سمعذلك عظم حزنه و تشتد نفرته عن سماع هذاالكلام، فرأى أن الصلاح أن يقدم قبل ذلك مايؤثر معه بعلمه و كلامه، حتى إذا جاء بهامن بعد ذلك خرج جوابه عن أن يكون بسبب تهمةو عداوة. الثاني: لعله عليه السلام أراد أنيبين أن درجته في العلم أعلى و أعظم ممااعتقدوا فيه، و ذلك لأنهم طلبوا منه علمالتعبير، و لا شك أن هذا العلم مبني علىالظن و التخمين، فبين لهما أنه لا يمكنهالإخبار عن الغيوب على سبيل القطع واليقين مع عجز كل الخلق عنه، و إذا كانالأمر كذلك فبأن يكون فائقا على كل الناسفي علم التعبير كان أولى، فكان المقصود منذكر تلك المقدمة تقرير كونه فائقا في علمالتعبير و اصلا فيه إلى ما لم يصل غيره، والثالث: قال السدي: لا يَأْتِيكُما طَعامٌتُرْزَقانِهِ في النوم بين ذلك أن علمهبتأويل الرؤيا ليس بمقصور على شيء دونغيره، و لذلك قال: إِلَّا نَبَّأْتُكُمابِتَأْوِيلِهِ الرابع: لعله عليه السلاملما علم أنهما اعتقدا فيه و قبلا قوله:فأورد عليهما ما دل على كونه رسولا من عنداللَّه تعالى، فإن الاشتغال بإصلاح مهماتالدين أولى من الاشتغال بمهمات الدنيا، والخامس: لعله عليه السلام لما علم أن ذلكالرجل سيصلب اجتهد في أن يدخله في الإسلامحتى لا يموت على الكفر، و لا يستوجب العقابالشديد و لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْبَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْبَيِّنَةٍ [الأنفال: 42] و السادس: قوله: لايَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّانَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ محمول علىاليقظة، و المعنى: أنه لا يأتيكما طعامترزقانه إلا أخبرتكما أي طعام هو، و أي لونهو، و كم هو، و كيف يكون عاقبته؟ أي إذاأكله الإنسان فهو يفيد الصحة أو السقم، وفيه وجه آخر، قيل: كان الملك إذا أراد قتلإنسان صنع له طعاما فأرسله إليه، فقاليوسف لا يأتيكما طعام ألا أخبرتكما أن فيهسما أم لا، هذا هو المراد من قوله: لايَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّانَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ و حاصلهراجع إلى أنه ادعى الإخبار عن الغيب، و هويجري مجرى قوله عيسى عليه السلام، وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ، وَ ماتَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:49] فالوجوه الثلاثة الأول لتقرير كونهفائقا في علم التعبير، و الوجوه الثلاثةالأخر لتقرير كونه نبيا صادقا من عنداللَّه تعالى.
فإن قيل: كيف يجوز حمل الآية على ادعاءالمعجزة مع أنه لم يتقدم ادعاء للنبوة؟قلنا: إنه و إن لم يذكر ذلك لكن يعلم أنه لابد و أن يقال: إنه كان قد ذكره، و أيضا ففيقوله: ذلِكُما مِمَّا