فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَمَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِماتَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَ لا تَرْكَنُواإِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُالنَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِمِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)
[في قوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَماأُمِرْتَ]
و فيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما أطنبفي شرح الوعد و الوعيد قال لرسوله:فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ
و هذ الكلمة كلمة جامعة في كل ما يتعلقبالعقائد و الأعمال، سواء كان مختصا به أوكان متعلقا بتبليغ الوحي و بيان الشرائع،و لا شك أن البقاء على الاستقامة الحقيقيةمشكل جدا و أنا أضرب لذلك مثالا يقرب صعوبةهذا المعنى إلى العقل السليم، و هو أن الخطالمستقيم الذي يفصل بين الظل و بين الضوءجزء و احد لا يقبل القسمة في العرض، إلا أنعين ذلك الخط مما لا يتميز في الحس عنطرفيه، فإنه إذا قرب طرف الظل من طرف الضوءاشتبه البعض بالبعض في الحس، فلم يقع الحسعلى إدراك ذلك الخط بعينه بحيث يتميز عن كلما سواه.إذا عرفت هذا في المثال فاعرف مثاله فيجميع أبواب العبودية، فأولها: معرفةاللَّه تعالى و تحصيل هذه المعرفة على وجهيبقى العبد مصونا في طرف الإثبات عنالتشبيه، و في طرف النفي عن التعطيل فيغاية الصعوبة، و اعتبر سائر مقاماتالمعرفة من نفسك، و أيضا فالقوة الغضبية والقوة الشهوانية حصل لكل و احدة منهماطرفا إفراط و تفريط و هما مذمومان، والفاصل هو المتوسط بينهما بحيث لا يميلإلى أحد الجانبين، و الوقوف عليه صعب ثمالعمل به أصعب، فثبت أن معرفة الصراطالمستقيم في غاية الصعوبة، بتقدير معرفتهفالبقاء عليه و العمل به أصعب، و لما كانهذا المقام في غاية الصعوبة لا جرم قال ابنعباس: ما نزلت على رسول اللَّه صلّى اللهعليه وسلّم في جميع القرآن آية أشد و لاأشق عليه من هذه الآية، و لهذا قال عليهالصلاة و السلام: «شيبتني هود و أخواتها، وعن بعضهم قال: رأيت النبي صلّى الله عليهوسلّم في النوم فقلت له: روي عنك أنك قلتشيبتني هود و أخواتها فقال: «نعم» فقلت: وبأي آية؟ فقال بقوله: فَاسْتَقِمْ كَماأُمِرْتَ.
المسألة الثانية: اعلم أن هذه الآية أصلعظيم في الشريعة
و ذلك لأن القرآن لما و رد بالأمر بأعمالالوضوء مرتبة في اللفظ وجب اعتبار الترتيبفيها لقوله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ولما و رد الأمر في الزكاة بأداء الإبل منالإبل و البقر من البقر وجب اعتبارها و كذاالقول في كل ما و رد أمر اللَّه تعالى به وعندي أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس،لأنه لما دل عموم النص على حكم وجب الحكمبمقتضاه لقوله: فَاسْتَقِمْ كَماأُمِرْتَ و العمل بالقياس انحراف عنه،ثم قال: وَ مَنْ تابَ مَعَكَ و فيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: من في محلالرفع من وجوه:
الأول: أن يكون عطفا على الضمير المستترفي قوله: فَاسْتَقِمْ و أغنى الوصل بالجارعن تأكيده بضمير المتصل في صحة العطف أيفاستقم أنت