المسألة الثالثة: اختلف الحكماء في أنالنفس الأمارة بالسوء ما هي؟
و المحققون قالوا إن النفس الإنسانيةشيء و احد، و لها صفات كثيرة فإذا مالتإلى العالم الإلهي كانت نفسا مطمئنة، وإذا مالت إلى الشهوة و الغضب كانت أمارةبالسوء، و كونها أمارة بالسوء يفيدالمبالغة و السبب فيه أن النفس من أولحدوثها قد ألفت المحسوسات و التذت بها وعشقتها، فأما شعورها بعالم المجردات وميلها إليه، فذلك لا يحصل إلا نادرا في حقالواحد، فالواحد و ذلك الواحد فإنما يحصلله ذلك التجرد و الانكشاف طول عمره فيالأوقات النادرة فلما كان الغالب هوانجذابها إلى العالم الجسداني و كان ميلهاإلى الصعود إلى العالم الأعلى نادرا لاجرم حكم عليها بكونها أمارة بالسوء، و منالناس من زعم أن النفس المطمئنة هي النفسالعقلية النطقية، و أما النفس الشهوانية والغضبية فهما مغايرتان للنفس العقلية، والكلام في تحقيق الحق في هذا الباب مذكورفي المعقولات.
المسألة الرابعة: تمسك أصحابنا في أنالطاعة و الإيمان لا يحصلان إلا مناللَّه
بقوله: إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي قالوا دلتالآية على أن انصراف النفس من الشر لا يكونإلا برحمته و لفظ الآية مشعر بأنه متى حصلتتلك الرحمة حصل ذلك الانصراف. فنقول: لايمكن تفسير هذه الرحمة بإعطاء العقل والقدرة و الألطاف كما قاله القاضي لأن كلذلك مشترك بين الكافر و المؤمن فوجبتفسيرها بشيء آخر، و هو ترجيح داعيةالطاعة على داعية المعصية و قد أثبتنا ذلكأيضا بالبرهان القاطع و حينئذ يحصل منهالمطلوب.
فمنهم من قال: هو العزيز، و منهم من قال: بلهو الريان الذي هو الملك الأكبر، و هذا هوالأظهر لوجهين: الأول: أن قول يوسف:اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِيدل عليه. الثاني: أن قوله: أَسْتَخْلِصْهُلِنَفْسِي يدل على أنه قبل ذلك ما كانخالصا له، و قد كان يوسف عليه السلام قبلذلك خالصا للعزيز، فدل هذا على أن هذاالملك هو الملك الأكبر.
المسألة الثانية: ذكروا أن جبريل عليهالسلام دخل على يوسف عليه السلام و هو فيالحبس
و قال: «قل اللهم اجعل لي من عندك فرجا ومخرجا و ارزقني من حيث لا أحتسب» فقبلاللَّه دعاءه و أظهر هذا السبب في تخليصهمن السجن، و تقرير الكلام: أن الملك عظماعتقاده في يوسف لوجوه: أحدها: أنه عظماعتقاده في علمه، و ذلك لأنه لما عجز القومعن الجواب و قدر هو على الجواب الموافقالذي يشهد العقل بصحته مال الطبع إليه، وثانيها: أنه عظم اعتقاده في صبره و ثباته،و ذلك لأنه بعد أن بقي في السجن بضع سنينلما أذن له في الخروج ما أسرع إلى الخروجبل صبر و توقف و طلب أولا ما يدل على براءةحاله عن جميع التهم، و ثالثها:أنه عظم اعتقاده في حسن أدبه، و ذلك لأنهاقتصر على قوله: ما بالُ النِّسْوَةِاللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ[يوسف: