المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: الأنبياءعليهم السلام يعلمون أنهم يموتون لا محالةعلى الإسلام،
فكان هذا الدعاء حاصله طلب تحصيل الحاصل وأنه لا يجوز.و الجواب: أحسن ما قيل فيه أن كمال حالالمسلم أن يستسلم لحكم اللَّه تعالى علىوجه يستقر قلبه على ذلك الإسلام و يرضىبقضاء اللَّه و قدره، و يكون مطمئن النفسمنشرح الصدر منفسخ القلب في هذا الباب، وهذه الحالة زائدة على الإسلام الذي هو ضدالكفر، فالمطلوب ههنا هو الإسلام بهذاالمعنى.
المسألة الخامسة: أن يوسف عليه السلام كانمن أكابر الأنبياء عليهم السلام، و الصلاحأول درجات المؤمنين،
فالواصل إلى الغاية كيف يليق به أن يطلبالبداية. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما وغيره من المفسرين: يعني بآبائه إبراهيم وإسمعيل و إسحق و يعقوب، و المعنى: ألحقنيبهم في ثوابهم و مراتبهم و درجاتهم، و ههنامقام آخر من تفسير هذه الآية على لسانأصحاب المكاشفات، و هو أن النفوس المفارقةإذا أشرقت بالأنوار الإلهية و اللوامعالقدسية، فإذا كانت متناسبة متشاكلةانعكس النور الذي في كل واحدة منها إلىالأخرى بسبب تلك الملازمة و المجانسة،فتعظم تلك الأنوار و تقوى تلك الأضواء، ومثال تلك الأحوال المرآة الصقيلة الصافيةإذا و ضعت و ضعا متى أشرقت الشمس عليهاانعكس الضوء من كل واحدة منها إلى الأخرى،فهناك يقوى الضوء و يكمل النور، و ينتهي فيالإشراق و البريق اللمعان إلى حد لا تطيقهالعيون و الأبصار الضعيفة، فكذا ههنا.
[سورة يوسف (12): آية 102]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِإِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْيَمْكُرُونَ (102)اعلم أن قوله: ذلِكَ رفع بالابتداء و خبرهمِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ- و نُوحِيهِإِلَيْكَ خبر ثان وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْأي ما كنت عند إخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُواأَمْرَهُمْ أي عزموا على أمرهم و ذكرناالكلام في هذا اللفظ عند قوله:فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ و قوله: وَ هُمْيَمْكُرُونَ أي بيوسف، و اعلم أن المقصدمن هذا إخبار عن الغيب فيكون معجزا. بيانأنه إخبار عن الغيب أن محمدا صلّى اللهعليه وسلّم ما طالع الكتب و لم يتلمذ لأحدو ما كانت البلدة بلدة العلماء فإتيانهبهذه القصة الطويلة على وجه لم يقع فيهتحريف و لا غلط من غير مطالعة و لا تعلم، ومن غير أن يقال:إنه كان حاضرا معهم لا بد و أن يكون معجزاو كيف يكون معجزا و قد سبق تقرير هذهالمقدمة في هذا الكتاب مرارا، و قوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ أي و ما كنت هناك ذكرعلى سبيل التهكم بهم، لأن كل أحد يعلم أنمحمدا صلّى الله عليه وسلّم ما كان معهم.