المسألة الأولى: اعلم أنه ثبت في الأخبارأن الذي اشتراه إما من الإخوة أو منالواردين على الماء ذهب به إلى مصر و باعههناك.
و قيل إن الذي اشتراه قطفير أو إطفير و هوالعزيز الذي كان يلي خزائن مصر و الملكيومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق،و قد آمن بيوسف و مات في حياة يوسف عليهالسلام فملك بعده قابوس بن مصعب فدعاهيوسف إلى الإسلام فأبى و اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة و أقام في منزله ثلاثعشرة سنة و استوزره ريان بن الوليد و هوابن ثلاثين سنة و آتاه اللَّه الملك والحكمة و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة و توفي وهو ابن مائة و عشرين سنة. و قيل كان الملكفي أيامه فرعون موسى عاش أربعمائة سنةبدليل قوله تعالى: وَ لَقَدْ جاءَكُمْيُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ[غافر: 34] و قيل فرعون موسى من أولاد فرعونيوسف، و قيل اشتراه العزيز بعشرين دينارا،و قيل أدخلوه السوق يعرضونه فترافعوا فيثمنه حتى بلغ ثمنه ما يساويه في الوزن منالمسك و الورق و الحرير فابتاعه قطفيربذلك الثمن. و قالوا: اسم تلك المرأةزليخا، و قيل راعيل.و اعلم أن شيئا من هذه الروايات لم يدلعليه القرآن، و لم يثبت أيضا في خبر صحيح وتفسير كتاب اللَّه تعالى لا يتوقف علىشيء من هذه الروايات، فالأليق بالعاقلأن يحترز من ذكرها.
المسألة الثانية: قوله: أَكْرِمِيمَثْواهُ
[إلى آخر الآية]أي منزله و مقامه عندك من قولك ثويتبالمكان إذا أقمت به، و مصدره الثواء والمعنى: اجعلي منزله عندك كريما حسنامرضيا بدليل قوله: إِنَّهُ رَبِّيأَحْسَنَ مَثْوايَ [يوسف: 23] و قالالمحققون: أمر العزيز امرأته بإكرام مثواهدون إكرام نفسه، يدل على أنه كان ينظر إليهعلى سبيل الإجلال و التعظيم و هو كما يقال:سلام اللَّه على المجلس العالي، و لماأمرها بإكرام مثواه علل ذلك بأن قال:عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُوَلَداً أي يقوم بإصلاح مهماتنا، أو نتخذهو لدا، لأنه كان لا يولد له و لد، و كانحصورا.ثم قال تعالى: وَ كَذلِكَ مَكَّنَّالِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي كما أنعمناعليه بالسلامة من الجب مكناه بأن عطفناعليه قلب العزيز، حتى توصل بذلك إلى أن صارمتمكنا من الأمر و النهي في أرض مصر.و اعلم أن الكمالات الحقيقية ليست إلاالقدرة و العلم و أنه سبحانه لما حاولإعلاء شأن يوسف ذكره بهذين الوصفين، أماتكميله في صفة القدرة و المكنة فإليهالإشارة بقوله: مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِيالْأَرْضِ و أما تكميله في صفة العلم،فإليه الإشارة بقوله: وَ لِنُعَلِّمَهُمِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ و قد تقدمتفسير هذه الكلمة.و اعلم أنا ذكرنا أنه عليه السلام لماألقي في الجب قال تعالى: وَ أَوْحَيْناإِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْبِأَمْرِهِمْ هذا [يوسف: 15] و ذلك يدل ظاهراعلى أنه تعالى أوحى إليه في ذلك الوقت. وعندنا الإرهاص جائز، فلا يبعد أن يقال: إنذلك الوحي إليه في ذلك الوقت ما كان لأجلبعثته إلى الخلق، بل لأجل تقوية قلبه وإزالة الحزن عن صدره و لأجل أن يستأنسبحضور جبريل عليه السلام، ثم إنه تعالىقال ههنا وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْتَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ و المراد منهإرساله إلى الخلق بتبليغ التكاليف، و دعوةالخلق إلى الدين الحق، و يحتمل أيضا أنيقال: إن ذلك الوحي الأول كان لأجل الرسالةو النبوة و يحمل قوله: وَ لِنُعَلِّمَهُمِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ على أنهتعالى أوحى إليه بزيادات و درجات يصير بهاكل يوم أعلى حالا مما كان قبله و قال ابنمسعود: أشد الناس فراسة ثلاثة: العزيز حينتفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواهعسى أن ينفعنا، و المرأة لما رأت موسى،فقالت: يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ [القصص: 26]و أبو بكر حين استخلف عمر.