المسألة الثالثة: قال أصحاب العربية و همالفراء و المبرد و الزجاج و ابن الأنباريبِدَمٍ كَذِبٍ أي مكذوب فيه،
إلا أنه وصف بالمصدر على تقدير دم ذي كذب ولكنه جعل نفسه كذبا للمبالغة قالوا: والمفعول و الفاعل يسميان بالمصدر كمايقال: ماء سكب، أي مسكوب و درهم ضرب الأميرو ثوب نسج اليمن، و الفاعل كقوله:إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً [الملك:30] و رجل عدل و صوم، و نساء نوح و لما سميابالمصدر سمي المصدر أيضا بهما فقالوا:للعقل المعقول، و للجلد المجلود، و منهقوله تعالى بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ[القلم: 6] و قوله: إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّمُمَزَّقٍ [سبأ: 7] قال الشعبي: قصة يوسفكلها في قميصه، و ذلك لأنهم لما ألقوه فيالجب نزعوا قميصه و لطخوه بالدم و عرضوهعلى أبيه، و لما شهد الشاهد قال: إِنْ كانَقَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ [يوسف: 26] ولما أتي بقميصه إلى يعقوب عليه السلامفألقى على وجهه ارتد بصيرا، ثم ذكر تعالىأن أخوة يوسف لما ذكروا ذلك الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدمقال يعقوب عليه السلام:بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْأَمْراً.قال ابن عباس: معناه: بل زينت لكم أنفسكمأمرا. و التسويل تقدير معنى في النفس معالطمع في إتمامه قال الأزهري: كأن التسويلتفعيل من سؤال الإنسان، و هو أمنيته التييطلبها فتزين لطالبها الباطل و غيره.و أصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيهالهمز و قال صاحب «الكشاف»: سَوَّلَتْسهلت من السول و هو الاسترخاء.إذا عرفت هذا فنقول: قوله: بَلْ رد لقولهم:فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ كأنه قال: ليس كماتقولون: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْأَنْفُسُكُمْ في شأنه أَمْراً أي زينت لكمأنفسكم أمرا غير ما تصفون، و اختلفوا فيالسبب الذي به عرف كونهم كاذبين على وجوه:الأول: أنه عرف ذلك بسبب أنه كان يعرفالحسد الشديد في قلوبهم. و الثاني:أنه كان عالما بأنه حي لأنه عليه الصلاة والسلام قال ليوسف: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَرَبُّكَ [يوسف: 6] و ذلك دليل قاطع على أنهمكاذبون في ذلك.القول الثالث: قال سعيد بن جبير: لما جاؤاعلى قميصه بدم كذب، و ما كان متخرقا، قالكذبتم لو أكله الذئب لخرق قميصه، و عنالسدي أنه قال: إن يعقوب عليه السلام قال:إن هذا الذئب كان رحيما، فكيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟ و قيل: إنه عليه السلام لماقال ذلك قال بعضهم: بل قتله اللصوص، فقالكيف قتلوه و تركوا قميصه و هم إلى قميصهأحوج منه إلى قتله؟ فلما اختلفت أقوالهمعرف بسبب ذلك كذبهم.ثم قال يعقوب عليه السلام: فَصَبْرٌجَمِيلٌ و فيه مسائل:
المسألة الأولى: منهم من قال: إنه مرفوعبالابتداء، و خبره محذوف،
و التقدير: فصبر جميل أولى من الجزع، ومنهم من أضمر المبتدأ قال الخليل: الذيأفعله صبر جميل. و قال قطرب: معناه: فصبريصبر جميل. و قال الفراء: فهو صبر جميل.
المسألة الثانية: كان يعقوب عليه السلامقد سقط حاجباه و كان يرفعهما بخرقة، فقيلله: ما هذا؟
فقال طول الزمان و كثرة الأحزان: فأوحىاللَّه تعالى إليه يا يعقوب أتشكوني؟ فقاليا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. و روي عنعائشة رضي اللَّه عنها في قصة الإفك أنهاقالت: و اللَّه لئن حلفت لا تصدقوني و إناعتذرت لا تعذروني، فمثلي و مثلكم كمثليعقوب و و لده فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ماتَصِفُونَ فأنزل اللَّه عز و جل في عذرهاما أنزل.