المسألة الرابعة: هذه الآية دالة علىطهارة يوسف عليه السلام من الذنب من وجوهكثيرة.
الأول: أن الملك لما أرسل إلى يوسف عليهالسلام و طلبه فلو كان يوسف متهما بفعلقبيح و قد كان صدر منه ذنب و فحش لاستحالبحسب العرف و العادة أن يطلب من الملك أنيتفحص عن تلك الواقعة، لأنه لو كان قد أقدمعلى الذنب ثم إنه يطلبه من الملك أن يتفحصعن تلك الواقعة كان ذلك سعيا منه في فضيحةنفسه و في تجديد العيوب التي صارت مندرسةمخفية و العاقل لا يفعل ذلك، و هب أنه وقعالشك لبعضهم في عصمته أو في نبوته إلا أنهلا شك أنه كان عاقلا، و العاقل يمتنع أنيسعى في فضيحة نفسه و في حمل الأعداء علىأن يبالغوا في إظهار عيوبه. و الثاني: أنالنسوة شهدن في المرأة الأولى بطهارته ونزاهته حيث قلن: حاشَ لِلَّهِ ما هذابَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ[يوسف: 31] و في المرة الثانية حيث قلن: حاشَلِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍو الثالث:أن امرأة العزيز أقرت في المرة الأولىبطهارته حيث قالت: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُعَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف: 32] وفي المرة الثانية في هذه الآية.و اعلم أن هذه الآية دالة على طهارته منوجوه: أولها: قول المرأة: أَنَا راوَدْتُهُعَنْ نَفْسِهِ و ثانيها:قولها: وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَو هو إشارة إلى أنه صادق في قوله: هِيَراوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف: 26] وثالثها: قول يوسف عليه السلام: ذلِكَلِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُبِالْغَيْبِ و الحشوية يذكرون أنه لما قاليوسف هذا الكلام قال جبريل عليه السلام، ولا حين هممت، و هذا من رواياتهم الخبيثة وما صحت هذه الرواية في كتاب معتمد، بل هميلحقونها بهذا الموضع سعيا منهم في تحريفظاهر القرآن. و رابعها: قوله: وَ أَنَّاللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَيعني أن صاحب الخيانة لا بد و أن يفتضح،فلو كنت خائنا لوجب أن افتضح و حيث لمافتضح و خلصني اللَّه تعالى من هذهالورطة، فكل ذلك يدل على أني ما كنت منالخائنين، و ههنا وجه آخر و هو أقوى منالكل، و هو أن في هذا الوقت تلك الواقعةصارت مندرسة، و تلك المحنة صارت منتهية،فإقدامه على قوله: ذلِكَ لِيَعْلَمَأَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ مع أنهخانه بأعظم وجوه الخيانة إقدام على و قاحةعظيمة، و على كذب عظيم من غير أن يتعلق بهمصلحة بوجه ما، و الإقدام على مثل هذهالوقاحة من غير فائدة أصلا لا يليق بأحد منالعقلاء، فكيف يليق إسناده إلى سيدالعقلاء، و قدوة الأصفياء؟ فثبت أن هذهالآية تدل دلالة قاطعة على براءته ممايقوله الجهال و الحشوية.
[سورة يوسف (12): آية 53]
وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَلَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مارَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌرَحِيمٌ (53)و في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن تفسير هذه الآيةيختلف بحسب اختلاف ما قبلها