اعلم أنه لما رجع الشرابي إلى الملك و عرضعليه التعبير الذي ذكره يوسف عليه السلاماستحسنه الملك فقال: ائتوني به، و هذا يدلعلى فضيلة العلم، فإنه سبحانه جعل علمهسببا لخلاصه من المحنة الدنيوية، فكيف لايكون العلم سببا للخلاص من المحنالأخروية، فعاد الشرابي إلى يوسف عليهالسلام قال أجب الملك، فأبى يوسف عليهالسلام أن يخرج من السجن إلا بعد أن ينكشفأمره و تزول التهمة بالكلية عنه. و عنالنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «عجبت منيوسف و كرمه و صبره و اللَّه يغفر له حينسئل عن البقرات العجاف و السمان و لو كنتمكانه لما أخبرتهم حتى اشترطت أن يخرجوالي و لقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال:ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ و لو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبثت لأسرعت الإجابة وبادرتهم إلى الباب و لما ابتغيت العذر أنهكان حليما ذا أناة».و اعلم أن الذي فعله يوسف من الصبر والتوقف إلى أن تفحص الملك عن حاله هواللائق بالحزم و العقل، و بيانه من وجوه:الأول: أنه لو خرج في الحال فربما كان يبقىفي قلب الملك من تلك التهمة أثرها، فلماالتمس من الملك أن يتفحص عن حال تلكالواقعة دل ذلك على براءته من تلك التهمةفبعد خروجه لا يقدر أحد أن يلطخه بتلكالرذيلة و أن يتوسل بها إلى الطعن فيه.الثاني: أن الإنسان الذي بقي في السجناثنتي عشرة سنة إذا طلبه الملك و أمربإخراجه الظاهر أنه يبادر بالخروج، فحيثلم يخرج عرف منه كونه في نهاية العقل والصبر و الثبات، و ذلك يصير سببا لأن يعتقدفيه بالبراءة عن جميع أنواع التهم، و لأنيحكم بأن كل ما قيل فيه كان كذبا و بهتانا.الثالث: أن التماسه من الملك أن يتفحص عنحاله من تلك النسوة يدل أيضا على شدةطهارته إذ لو كان ملوثا بوجه ما، لكانخائفا أن يذكر ما سبق. الرابع: أنه حين قالللشرابي: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فبقيبسبب هذه الكلمة في السجن بضع سنين و ههناطلبه الملك فلم يلتفت إليه و لم يقم لطلبهوزنا، و اشتغل بإظهار براءته عن التهمة، ولعله كان غرضه عليه السلام من ذلك أن لايبقى في قلبه التفات إلى رد الملك و قبوله،و كان هذا العمل جاريا مجرى التلافي لماصدر من التوسل إليه في قوله: اذْكُرْنِيعِنْدَ