فاعلا، فنحن نقول ههنا أيضا إذا كان تحصيلالإيمان و إبقاؤه من العبد لا من اللَّهتعالى، فكيف يطلب ذلك من اللَّه قالالجبائي و الكعبي معناه: اطلب اللطف لي فيالإقامة على الإسلام إلى أن أموت عليه.فهذا الجواب ضعيف لأن السؤال وقع علىالإسلام فحمله على اللطف عدول عن الظاهر وأيضا كل ما في المقدور من الألطاف فقد فعلهفكان طلبه من اللَّه محالا.
فكان هذا الدعاء حاصله طلب تحصيل الحاصل وأنه لا يجوز.
و الجواب: أحسن ما قيل فيه أن كمال حالالمسلم أن يستسلم لحكم اللَّه تعالى علىوجه يستقر قلبه على ذلك الإسلام و يرضىبقضاء اللَّه و قدره، و يكون مطمئن النفسمنشرح الصدر منفسخ القلب في هذا الباب، وهذه الحالة زائدة على الإسلام الذي هو ضدالكفر، فالمطلوب ههنا هو الإسلام بهذاالمعنى.
فالواصل إلى الغاية كيف يليق به أن يطلبالبداية. قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما وغيره من المفسرين: يعني بآبائه إبراهيم وإسمعيل و إسحق و يعقوب، و المعنى: ألحقنيبهم في ثوابهم و مراتبهم و درجاتهم، و ههنامقام آخر من تفسير هذه الآية على لسانأصحاب المكاشفات، و هو أن النفوس المفارقةإذا أشرقت بالأنوار الإلهية و اللوامعالقدسية، فإذا كانت متناسبة متشاكلةانعكس النور الذي في كل واحدة منها إلىالأخرى بسبب تلك الملازمة و المجانسة،فتعظم تلك الأنوار و تقوى تلك الأضواء، ومثال تلك الأحوال المرآة الصقيلة الصافيةإذا و ضعت و ضعا متى أشرقت الشمس عليهاانعكس الضوء من كل واحدة منها إلى الأخرى،فهناك يقوى الضوء و يكمل النور، و ينتهي فيالإشراق و البريق اللمعان إلى حد لا تطيقهالعيون و الأبصار الضعيفة، فكذا ههنا.
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِإِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْيَمْكُرُونَ (102)
اعلم أن قوله: ذلِكَ رفع بالابتداء و خبرهمِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ- و نُوحِيهِإِلَيْكَ خبر ثان وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْأي ما كنت عند إخوة يوسف إِذْ أَجْمَعُواأَمْرَهُمْ أي عزموا على أمرهم و ذكرناالكلام في هذا اللفظ عند قوله:
فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ و قوله: وَ هُمْيَمْكُرُونَ أي بيوسف، و اعلم أن المقصدمن هذا إخبار عن الغيب فيكون معجزا. بيانأنه إخبار عن الغيب أن محمدا صلّى اللهعليه وسلّم ما طالع الكتب و لم يتلمذ لأحدو ما كانت البلدة بلدة العلماء فإتيانهبهذه القصة الطويلة على وجه لم يقع فيهتحريف و لا غلط من غير مطالعة و لا تعلم، ومن غير أن يقال:
إنه كان حاضرا معهم لا بد و أن يكون معجزاو كيف يكون معجزا و قد سبق تقرير هذهالمقدمة في هذا الكتاب مرارا، و قوله: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ أي و ما كنت هناك ذكرعلى سبيل التهكم بهم، لأن كل أحد يعلم أنمحمدا صلّى الله عليه وسلّم ما كان معهم.
وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْحَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَ ماتَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْهُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَ هُمْعَنْها مُعْرِضُونَ (105) وَ ما يُؤْمِنُأَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَ هُمْمُشْرِكُونَ (106) أَ فَأَمِنُوا أَنْتَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِاللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُبَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)