اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّاسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَالشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيلِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَيُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْبِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن أكثر الناس لايؤمنون ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد و هو هذه الآية
و فيه مسائل:
بدليل قوله: وَ هُوَ الَّذِي مَدَّالْأَرْضَ [الرعد: 3] و يجوز أن يكون الذيرفع السموات صفة و قوله: يُدَبِّرُالْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ خبرا بعدخبر، و قال الواحدي: العمد الأساطين و هوجمع عماد يقال عماد و عمد مثل إهاب و أهب، وقال الفراء:
العمد و العمد جمع العمود مثل أديم و ادم وادم، و قضيم و قضم و قضم، و العماد و العمودما يعمد به الشيء، و منه يقال: فلان عمدقومه إذا كانوا يعتمدونه فيما بينهم.
أما الاستدلال بأحوال السموات بغير عمدترونها فالمعنى: أن هذه الأجسام العظيمةبقيت وافقة في الجو العالي و يستحيل أنيكون بقاؤها هناك لأعيانها و لذواتهالوجهين: الأول: أن الأجسام متساوية في تمامالماهية و لو وجب حصول جسم في حيز معينلوجب حصول كل جسم في ذلك الحيز. و الثاني:أن الخلاء لا نهاية له و الأحياز المعترضةفي ذلك الخلاء الصرف غير متناهية و هيبأسرها متساوية و لو وجب حصول جسم في حيزمعين لوجب حصوله في جميع الأحياز ضرورة أنالأحياز بأسرها متشابهة فثبت أن حصولالأجرام الفلكية في أحيازها و جهاتها ليسأمرا واجبا لذاته بل لا بد من مخصص و مرجح،و لا يجوز أن يقال إنها بقيت بسلسلة فوقهاو لا عمد تحتها، و إلا لعاد الكلام في ذلكالحافظ و لزم المرور إلى ما لا نهاية له وهو محال فثبت أن يقال الأجرام الفلكية فيأحيازها العالية لأجل أن مدبر العالمتعالى و تقدس أوقفها هناك.
فهذا برهان قاهر على وجود الإله القاهرالقادر. و يدل أيضا على أن الإله ليس بجسم ولا مختص بحيز، لأنه لو كان حاصلا في حيزمعين لامتنع أن يكون حصوله في ذلك الحيزلذاته و لعينه لما بينا أن الأحياز بأسرهامتساوية فيمتنع أن يكون حصوله في حيز معينلذاته فلا بد و أن يكون بتخصيص مخصص و كل ماحصل بالفاعل المختار فهو محدث فاختصاصهبالحيز المعين محدث و ذاته لا تنفك عن ذلكالاختصاص و ما لا يخلو عن الحادث فهو حادث،فثبت أنه لو كان حاصلا في الحيز المعينلكان حادثا و ذلك محال، فثبت أنه تعالىمتعال عن الحيز و الجهة، و أيضا كل ما سماكفهو سماء، فلو كان تعالى موجودا في جهة فوقجهة لكان من جملة السموات فدخل تحت قوله:اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فكل ما كانمختصا بجهة فوق جهة فهو محتاج إلى حفظالإله بحكم هذه الآية فوجب أن يكون الإلهمنزها عن جهة فوق. أما قوله: تَرَوْنَهاففيه أقوال:
الأول: أنه كلام مستأنف و المعنى: رفعالسموات بغير عمد. ثم قال: تَرَوْنَها أي وأنتم ترونها أي مرفوعة بلا عماد. الثاني:قال الحسن في تقرير الآية تقديم و تأخيرتقديره: رفع السموات ترونها بغير عمد.
و اعلم أنه إذا أمكن حمل الكلام على ظاهرهكان المصير إلى التقديم و التأخير غيرجائز. و الثالث: أن قوله: تَرَوْنَها صفةللعمد، و المعنى: بغير عمد مرئية، أيللسموات عمد. و لكنا لا نراها قالوا: و لهاعمد