اعلم أن الكفار لما خوفوا شعيبا عليهالسلام بالقتل و الإيذاء، حكى اللَّهتعالى عنه ما ذكره في هذا المقام، و هونوعان من الكلام:
النوع الأول: قوله: يا قَوْمِ أَ رَهْطِيأَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّاإِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
و المعنى: أن القوم زعموا أنهم تركواإيذاءه رعاية لجانب قومه. فقال: أنتمتزعمون أنكم تتركون قتلي إكراما لرهطي، واللَّه تعالى أولى أن يتبع أمره، فكأنهيقول: حفظتكم إياي رعاية لأمر اللَّهتعالى أولى من حفظكم إياي رعاية لحق رهطي.
و أما قوله: وَ اتَّخَذْتُمُوهُوَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا فالمعنى: أنكمنسيتموه و جعلتموه كالشيء المنبوذ و راءالظهر لا يعبأ به. قال صاحب «الكشاف»: والظهري منسوب إلى الظهر، و الكسر منتغيرات النسب و نظيره قولهم في النسبة إلىالأمس إمسي بكسر الهمزة، و قوله: إِنَّرَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ يعنيأنه عالم بأحوالكم فلا يخفى عليه شيءمنها.
و النوع الثاني: قوله: وَ يا قَوْمِاعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّيعامِلٌ
و المكانة الحالة يتمكن بها صاحبها منعمله، و المعنى اعملوا حال كونكم موصوفينبغاية المكنة و القدرة و كل ما في و سعكم وطاقتكم من إيصال الشرور إلي فإني أيضاعامل بقدر ما آتاني اللَّه تعالى منالقدرة.
ثم قال: سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْيَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَ مَنْ هُوَكاذِبٌ
و فيه مسألتان:
وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْناشُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُبِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِيدِيارِهِمْ جاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْيَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَكَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)
روى الكلبي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهماقال: لم يعذب اللَّه تعالى أمتين بعذاب واحد إلا قوم شعيب و قوم صالح فأما قوم صالحفأخذتهم الصيحة من تحتهم، و قوم شعيبأخذتهم من فوقهم و قوله: وَ لَمَّا جاءَأَمْرُنا يحتمل أن يكون المراد منه و لماجاء وقت أمرنا ملكا من الملائكة بتلكالصيحة، و يحتمل أن يكون المراد من الأمرالعقاب، و على التقديرين فأخبر اللَّه أنهنجى شعيبا و من معه من المؤمنين برحمة منهو فيه