ثم قال: وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِيريد من قبل أن نوحي إليك لَمِنَالْغافِلِينَ عن قصة يوسف و إخوته، لأنهعليه السلام إنما علم ذلك بالوحي، و منهممن قال: المراد أنه كان من الغافلين عنالدين و الشريعة قبل ذلك كما قال تعالى: ماكُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَاالْإِيمانُ [الشورى: 52].
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِإِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباًوَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْلِي ساجِدِينَ (4)
و فيه مسائل:
قال صاحب «الكشاف»: الصحيح أنه اسمعبراني، لأنه لو كان عربيا لانصرف لخلوهعن سبب آخر سوى التعريف، و قرأ بعضهم يوسفبكسر السين و يوسف بفتحها. و أيضا روى فييونس هذه اللغات الثلاث، و عن النبي صلّىالله عليه وسلّم قال: «إذا قيل من الكريمفقولوا الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسفبن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهمالسلام».
و الباقون بكسر التاء. أما الفتح فوجههأنه كان في الأصل يا أبتاه على سبيلالندبة، فحذفت الألف و الهاء. و أما الكسرفأصله يا أبي، فحذفت الياء و اكتفىبالكسرة عنها ثم أدخل هاء الوقف فقال: ياأَبَتِ ثم كثر استعماله حتى صار كأنه مننفس الكلمة فأدخلوا عليه الإضافة، و هذاقول ثعلب و ابن الأنباري.
و اعلم أن النحويين طولوا في هذه المسألة،و من أراد كلامهم فليطالع «كتبهم».
و كان له أحد عشر نفرا من الأخوة، ففسرالكواكب بالأخوة، و الشمس و القمر بالأب والأم، و السجود بتواضعهم به و دخولهم تحتأمره، و إنما حملنا قوله: إِنِّي رَأَيْتُأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً على الرؤيالوجهين:
الأول: أن الكواكب لا تسجد في الحقيقة،فوجب حمل هذا الكلام على الرؤيا. و الثاني:قول يعقوب عليه السلام: لا تَقْصُصْرُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ
و في الآية سؤالات:
السؤال الأول: قوله: رَأَيْتُهُمْ لِيساجِدِينَ
فقوله: ساجِدِينَ لا يليق إلا بالعقلاء، والكواكب جمادات، فكيف جازت اللفظةالمخصوصة بالعقلاء في حق الجمادات.
قلنا: إن جماعة من الفلاسفة الذين يزعمونأن الكواكب أحياء ناطقة احتجوا بهذهالآية، و كذلك احتجوا بقوله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء:33] و الجمع بالواو و النون مختص بالعقلاء. وقال الواحدي: إنه تعالى لما وصفها بالسجودصارت كأنها تعقل، فأخبر عنها كما يخبر عمنيعقل كما قال في صفة الأصنام وَ تَراهُمْيَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لايُبْصِرُونَ [الأعراف: 198] و كما في قوله: ياأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوامَساكِنَكُمْ [النمل: 18].
السؤال الثاني: قال: إِنِّي رَأَيْتُأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
ثم أعاد لفظ الرؤيا مرة ثانية، و قال:
رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ فما الفائدةفي هذا التكرير؟
الجواب: قال القفال رحمه اللَّه: ذكرالرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكبو الشمس و القمر، و الثانية لتدل علىمشاهدة كونها ساجدة له، و قال بعضهم: إنهلما قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَكَوْكَباً وَ الشَّمْسَ