السنة الحادية و العشرين، و هناك يتمالأسبوع الثالث و يدخل في السنة الثانية والعشرين، و هذا الأسبوع آخر أسابيع النشوءو النماء، فإذا تمت السنة الثامنة والعشرون فقد تمت مدة النشوء و النماء، وينتقل الإنسان منه إلى زمان الوقوف و هوالزمان الذي يبلغ الإنسان فيه أشده، وبتمام هذا الأسبوع الخامس يحصل للإنسانخمس و ثلاثون سنة، ثم إن هذه المراتبمختلفة في الزيادة و النقصان فهذا الأسبوعالخامس الذي هو أسبوع الشدة و الكماليبتدأ من السنة التاسعة و العشرين إلىالثالثة و الثلاثين، و قد يمتد إلىالخامسة و الثلاثين، فهذا هو الطريقالمعقول في هذا الباب، و اللَّه أعلمبحقائق الأشياء.
القول الأول: أن الحكم و الحكمة أصلهماحبس النفس عن هواها، و منعها مما يشينها،
فالمراد من الحكم الحكمة العملية، والمراد من العلم الحكمة النظرية. و إنماقدم الحكمة العملية هنا على العملية، لأنأصحاب الرياضات يشتغلون بالحكمة العمليةثم يترقون منها إلى الحكمة النظرية. و أماأصحاب الأفكار العقلية و الأنظارالروحانية فإنهم يصلون إلى الحكمةالنظرية أولا، ثم ينزلون منها إلى الحكمةالعملية، و طريقة يوسف عليه السلام هوالأول، لأنه صبر على البلاء و المحنة ففتحاللَّه عليه أبواب المكاشفات، فلهذاالسبب قال: آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً.
القول الثاني: الحكم هو النبوة،
لأن النبي يكون حاكما على الخلق، و العلمعلم الدين.
و القول الثالث: يحتمل أن يكون المراد منالحكم صيرورة نفسه المطمئنة حاكمة علىنفسه الأمارة بالسوء
مستعلية عليها قاهرة لها و متى صارت القوةالشهوانية و الغضبية مقهورة ضعيفة فاضتالأنوار القدسية و الأضواء الإلهية منعالم القدس على جوهر النفس و تحقيق القولفي هذا الباب أن جوهر النفس الناطقة خلقتقابلة للمعارف الكلية و الأنوار العقلية،إلا أنه قد ثبت عندنا بحسب البراهينالعقلية و بحسب المكاشفات العلوية أنجواهر الأرواح البشرية مختلفة بالماهياتفمنها ذكية و بليدة و منها حرة و نذلة ومنها شريفة و خسيسة، و منها عظيمة الميلإلى عالم الروحانيات و عظيمة الرغبة فيالجسمانيات فهذه الأقسام كثيرة و كل و احدمن هذه المقامات قابل للأشد و الأضعف والأكمل و الأنقص فإذا اتفق أن كان جوهرالنفس الناطقة جوهرا مشرقا شريفا شديدالاستعداد لقبول الأضواء العقلية واللوائح الإلهية، فهذه النفس في حال الصغرلا يظهر منها هذه الأحوال، لأن النفسالناطقة إنما تقوى على أفعالها بواسطةاستعمال الآلات الجسدانية و هذه الآلات فيحال الصغر تكون الرطوبات مستولية عليها،فإذا كبر الإنسان و استولت الحرارةالغريزية على البدن نضجت تلك الرطوبات وقلت و اعتدلت، فصارت تلك الآلات البدنيةصالحة لأن تستعملها النفس الإنسانية و إذاكانت النفس في أصل جوهرها شريفة فعند كمالالآلات البدنية تكمل معارفها و تقوىأنوارها و يعظم لمعان الأضواء فيها،فقوله: وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ إشارةإلى اعتدال الآلات البدنية، و قوله:آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً إشارة إلىاستكمال النفس في قوتها العملية والنظرية، و اللَّه أعلم.
وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهاعَنْ نَفْسِهِ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَوَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَاللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُالظَّالِمُونَ (23)