الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازمالعبودية أكمل، فقد ظهر بحمد اللَّه تعالىصحة هذا القول الذي ذهبنا إليه و لم يبق فييد الواحدي إلا مجرد التصلف و تعديد أسماءالمفسرين، و لو كان قد ذكر في تقرير ذلكالقول شبهة لأجبنا عنها إلا أنه ما زاد علىالرواية عن بعض المفسرين.
و اعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي صلّىالله عليه وسلّم أنه قال: «ما كذب إبراهيمعليه السلام إلا ثلاث كذبات» فقلت الأولىأن لا نقبل مثل هذه الأخبار فقال على طريقالاستنكار فإن لم نقبله لزمنا تكذيبالرواة فقلت له:
يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيبإبراهيم عليه السلام و إن رددناه لزمناالحكم بتكذيب الرواة و لا شك أن صونإبراهيم عليه السلام عن الكذب أولى من صونطائفة من المجاهيل عن الكذب.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول للواحدي: و منالذي يضمن لنا أن الذين نقلوا هذا القول عنهؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين، واللَّه أعلم.
أما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروارؤية البرهان بوجوه: الأول: أنه حجة اللَّهتعالى في تحريم الزنا و العلم بما علىالزاني من العقابو الثاني: أن اللَّهتعالى طهر نفوس الأنبياء عليهم السلام عنالأخلاق الذميمة. بل نقول: إنه تعالى طهرنفوس المتصلين به عنها كما قال:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَعَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب: 33]فالمراد برؤية البرهان هو حصول تلكالأخلاق و تذكير الأحوال الرادعة لهم عنالإقدام على المنكرات. و الثالث: أنه رأىمكتوبا في سقف البيت وَ لا تَقْرَبُواالزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَسَبِيلًا [الإسراء: 32] و الرابع: أنه النبوةالمانعة من ارتكاب الفواحش، و الدليل عليهأن الأنبياء عليهم السلام بعثوا لمنعالخلق عن القبائح و الفضائح فلو أنهممنعوا الناس عنها، ثم أقدموا على أقبحأنواعها و أفحش أقسامها لدخلوا تحت قولهتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوالِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَكَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ [الصف: 2، 3] وأيضا أن اللَّه تعالى عير اليهود بقوله: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: 44] و مايكون عيبا في حق اليهود كيف ينسب إلىالرسول المؤيد بالمعجزات.
و أما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف عليهالسلام فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهانأمورا: الأول: قالوا إن المرأة قامت إلىصنم مكلل بالدر و الياقوت في زاوية البيتفسترته بثوب فقال يوسف: لم فعلت ذلك؟
قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني علىمعصية، فقال يوسف: أتستحين من صنم لا يعقلو لا يسمع و لا أستحي من إلهي القائم على كلنفس بما كسبت فواللَّه لا أفعل ذلك أبداقالوا: فهذا هو البرهان. الثاني: نقلوا عنابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه تمثل لهيعقوب فرآه عاضا على أصابعه و يقول له:أتعمل عمل الفجار و أنت مكتوب في زمرةالأنبياء فاستحى منه. قال و هو قول عكرمة ومجاهد و الحسن و سعيد بن جبير و قتادة والضحاك و مقاتل و ابن سيرين قال سعيد بنجبير: تمثل له يعقوب فضرب في صدره فخرجتشهوته من أنامله. و الثالث:
قالوا إنه سمع في الهواء قائلا يقول ياابن يعقوب لا تكن كالطير يكون له ريش فإذازنا ذهب ريشه. و الرابع:
نقلوا عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنيوسف عليه السلام لم ينزجر برؤية صورةيعقوب حتى ركضه جبريل عليه السلام فلم يبقفيه شيء من الشهوة إلا خرج، و لما نقلالواحدي هذه الروايات تصلف و قال: هذا الذيذكرناه قول أئمة التفسير الذين أخذواالتأويل عمن شاهد التنزيل فيقال له: إنك لاتأتينا ألبتة إلا بهذه التصلفات