عالم ربانی یادنامه آیت الله سید مهدی روحانی

کانون نویسندگان فضلای قمی

نسخه متنی -صفحه : 25/ 15
نمايش فراداده

مقدمه چاپ دوم «بحوث مع أهلالسنّة و السلفية»[1]

آيت الله حاج سيد مهدى روحانى قدّس سرّه

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدلله ربّ العالمين، والصلاة و السلام على خير خلقه أجمعين؛ محمد و آله الطيّبين الطاهرين.

و بعد: فقد نشرت مجلّة الدعوة السعوديّة في سنة 1397 هـ . مقالاً باسم «مزاعم طائفة الشيعة» لإبراهيم السليمان الجهمان، حمل فيه كاتبه على الشيعة و عقائدهم، و سبّ و شتم على ما تقتضيه جبلّته، و سمح له به أدبه الجمّ، و دينه الموروث عن سلفه.

و قد كتب هذا المقال بعقليّة عاميّة عمياء متحيّزة متعصّبة، لا تتورّع عن تلفيق التهم و الافتراء ات، دون وازع من ضمير أو وجدان، و تحتوي على ما يقرب من 44 جملة في الشيعة، قد كذب في نصفها تحقيقاً، و فيها أكاذيب مضاعفة في أُمور هامّة، مثل: تحريف القرآن، و ردّة الصحابة، و حقّ تشريع الأحكام و حق النسخ للأئمّة الطاهرين، افترى بها على الشيعة تبعاً لسلفه، مع أنّهم قالوا بها و بمثلها للصحابة و الاُمراء، يغرّون بها أنفسهم و أتباعهم البسطاء بأنّهم من أهل السنّة، و مَن عداهم مشركون و من أهل البدعة، و حقّاً ينطبق عليهم قوله تعالى: و غرّهم في دينهم ما كانوا يفترون .

و قد رددنا عليه في سنة 1398 هـ . بكتاب سمّيناه «بحوث مع أهل السُنّة والسلفيّة» بحثنا فيه في موارد تختلف الشيعة معهم، و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، إلاّ أنّا زدنا في هذه الطبعة الثانية في المقدّمة إجمالاً من نشؤ عقائد السُنّة، ونبذةً من أُمّهات عقائدهم، وذكرنا التطوّرات الحاصلة في بعضها، فحصل تغييرات في الكتاب؛ فمنها ما حرّرنا بعض مطالبه، وزدنا توضيحات لازمة، و ذكرنا مصادر مهمّة و منها ما بدّلنا مكان بعض المطالب إلى مكان آخر، كما كان ذلك في بحث الخلافة والولاية و ما تعرّضنا لأُصول عقائد السُنّة و مباحثها في الجبر والتشبيه و عدم خلق القرآن، فكان ذلك يشكل الشطر الأول من الكتاب. و نذكر في الشطر الثاني ما طعنوه في عقائد الشيعة. والشطر الأخير بحوث في الحديث والفقه إلاّ ما ربّما يستطرد من البحوث في أثناء بحث آخر.

و كان من الواجب علينا أوّلا أن ننبّههم بخرافات و أباطيل ألصقوها بالإسلام و عقائده و سُنّة رسوله والتزموا و اعتقدوا بها باسم: «السُنّة الصحيحة» و «السلف الصالح»، فكم من عظيمة حذفوها من أحكام الدين الحنيف! و كم من بدعة منكرة أدخلوها في الدين، بلا حجّة من الله و رسوله، فنتعرّض لها في الكتاب تبرئةً للإسلام و الكتاب الكريم، و لذلك أطلنا بحث الجبرو القدر السنّي، و بحث التشبيه و مناشئهما.

و كذلك كان من الواجب علينا أيضاً أن ندفع عن أنفسنا الافتراء ات التي افتروها علينا حيث إنّها افتراء ات على الذين آمنوا بكتابِ الله و سنة رسوله و حججه، و نثبت لهم أنّ ديننا و مذهبنا الذي آمنّا به هو الدين الخالص الذى جاء به الرسول الاعظم صلّى الله عليه و آله في كتابه و سُنّته، و هذا هو الذي كرهوه منّا و ما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد.

و سنبيّن لهم تفصيلاً إن شاء الله تعالى أنّ في الموارد التي اختلفنا معهم في مسائل الدين، هم المنحرفون عن الكتاب و السُنّة الحقيقة ؛ اذيكفرون عملاً و جهاراً بآيات الكتاب الدالّة على الاختيار و آيات التنزيه و يكفرون أن لا قديم مع الله تعالى، إذ يجعلون القرآن و القدر قديمين آخرين كما يكفرون بِسُنن مستفيضة و متواترة عندهم عن رسول الله صلّى الله عليه و آله فيردّونها و يخالفونها و يكفرون بها مثل أحاديث الغدير و الثقلين و المنزلة و غيرها و فيها موارد عديدة، قد كان انحرافهم فيها عن الدين عظيماً جدّاً، و هي التي نشير إليها إجمالاً في المقدّمة في طىّ أُمور خمسة، و تفصيلاً في أصل الكتاب إن شاء الله تعالى.

و قبل كلّ ذلك ندعوهم إلى كلمة سواء بيننا و بينهم و هي أن نستسلم لأمرالله و نهيه، و نجتنب البغي والافتراء، على الله و على الناس، جعلناالله جميعاً من المعتصمين بحبله، والمطيعين لأمره و أمر رسوله صلّى الله عليه و آله و سلّم .

ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين ، و صلّى الله على محمد و آله الطاهرين، والحمدلله ربّ العالمين.

نبذة من مقدّمة الطبعة الأُولى

اختلاف أهل السُنّة والسلفيّة مع الشيعة [2]

قال الله تعالى لنبيّه: قل ما كنت بدعاً من الرُسل [3] و كذلك أمّته أيضاً لم تكن بدعاً من الأُمم، فلم تكن أُمةً معصومَة من الانحراف و قد حكى الله تعالى في كتابه ما فعلته الأُمم السابقة من تحريف أديانها و اختلاف أهل كلّ دين في دينهم حتّى صاروا فرقاً و شيعاً و أحزاباً، كلّ حزب بما لديهم فرحون، فأُمّة إبراهيم نبيّ التوحيد صارت تعبد الأوثان و ملأوا بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم للتوحيد، من الأصنام، و أُمّة موسى انحرفت عن دين الله و شريعته و قتلوا أنبياء ه و رسله، و قالت عزيز ابن الله و حرّفوا دينه و كتابه، و قالوا نحن أبناء الله و أحبّاؤه، و كانت النصارى أُمّة عيسى أضلّ منهم فجعلوا الله ثالث ثلاثة.

و قد نبّه الله تعالى أُمّة محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم على معرضيتهم للانقلاب و الانحراف بقوله و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [4] و الآية كما ترى صريحة في إمكان انقلاب أُمّة محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم عن دينهم[5] .

حكى الله تعالى كلّ ذلك لاُمّة محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم تنبيهاً لها على أنّها أيضاً يمكن أن تبتلى بما ابتليت به الأُمم السابقة، و لذا فإنّ عليها أن تحذر ذلك، و أن لا تقع في هوّة الاختلاف و التمزّق، كما وقعت تلك الأُمم، و أن لا تنحرف كما انحرفت! و قال النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً شبراً و ذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، مَن هم، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ [6]

و أمّا عن سرّ اختلاف أهل الأديان و تفرّقهم، فإنّ الله تعالى قد بيّن لنا ذلك أيضاً و عرّفنا إيّاه، ألا و هو عدم قبولهم بما علموا أنّه من الدين، بغياً منهم و عناداً للحقّ، و قد ذكر الله في كتابه في أربع موارد أنّهم (الأُمم) ما اختلفوا و ما تفرّقوا إلاّ من بعد ما جاء هم العلم و البيّنات بغياً بينهم.[7]

فالبغى إذن سبب تفرّق أهل كلّ دين، و صيرورتهم فرقاً و شيعاً، و هو السبب في عدم الاستسلام و الخضوع لما يعلم أنّه من دين الله، و هو موجب للخروج عن الدين، لأنّ الدين عند الله هو الإسلام و الاستسلام والتسليم له تعالى أوّلاً و آخراً، أصلاً و فرعاً. و من الأسف أنّ عديداً من الفرق الإسلامية قد ورثوا من أسلافهم انحرافات في الدين عظيمة هائلة و فيها ما يَمُسّ أصل التوحيد، و لكن كلّ فرقة و أحبارها استصغرت تلك الانحرافات والعظائم في عقائدهم، و ترى العظائم الكبرى في ما قالته الفرقة أو الفرق المخاصمة لهم حقّاً أو باطلاً، كما أنّهم ورثوا البغي من أسلافهم فيهيلوا على خصومهم الافترائات، الكبائر والصغائر.

و على أيٍّ لم يكن الاختلاف بين الشيعة و أهل السُنّة عامّة، والسلفيّة خاصّة بدعاً خارجاً عن هذا الاتّجاه الذي بيّنه الله تعالى في كتابه العزيز، فإنّ للبغى في النزاع بين هاتين الفرقتين تاريخاً طويلاً فلنلاحظ في هذا الكتاب أيّ الفرقتين من الفئة الباغية و أيّهما من الفئة المسلمة.

1. شايان ذكر است كه چاپ دوم بحوث مع اهل السنة... با تجديد نظر و اضافات مؤلف آماده چاپ بود كه مؤلف به لقاى حق شتافت.

2. بحوثنا في هذا الكتاب مع عامّة السُنّة (الأشعريّة و الحنابلة السلفيّة) سواء، و لكنّ السلفيّة (و يسمّون اليوم بالوهابيّة) زادت في خلافها مع الشيعة على سائر أهل السُنّة في ما ورثته من الحنابلة، وأهل الحديث الأوّلين، فلذلك زاد بحثنا و اختلافنا معهم أوّلاً في الروايات التشبيهيّة؛ لأنّ الأشعريّة الرائجة مثل الشيعة والمعتزلة من أهل التنزيه و لكنّهم لا ينكرون الروايات التشبيهيّة، بل يختمون الختمات عليها في حين أنّهم يؤولون تلك الروايات على خلاف السلفيّة.

و ثانياً، إنّ مذهب السُنّة الأصلية كان منشعباً من العثمانيّة، و نصبهم لعليّ و آله عليهم السّلام مشهور، و في الكتب مذكور. أضف إلى ذلك أنّ السلفيّة أتباع لابن تيمية و عدائه لعيّ و آله عليهم السّلام واضح في كلّ خطوة من خطواته، كما قاله الكوثري، و هذه النزعة باقية فيهم، و لعلّها في أشخاص السلفيّة متفاوتة اليوم، بخلاف عامّة المسلمين، فإنّ حبّهم و ولاء هم لآل محمد صلّى الله عليه و آله و سلّم في كلّ البلاد واضح جليّ.

و أمر آخر: أنّ السلفيّة تخالف أهل السُنّة والشيعة جميعاً فيما جاء ابن تيمية به من البدع و جعلها أساس مذهب السلفية و هي مسائل التوسّل و تقبيل القبور و التبرّك بها و أشباهها و يقولون إنّ مَن فعل ذلك فقد عبد غير الله و هو مشرك، و سنبيّن مواضع الفساد فيما أبدعه إن شاء الله تعالى.

3. الأحقاف (46) الآية9.

4. آل عمران (3) الآية 144.

5. بل روايات ردة الصحابة تدلّ على وقوع هذا الانقلاب بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم و تقول السلفية إنّ الأُمّة اشركت بعد القرن الثالث.

6. عمدة القاري (شرح صحيح البخارى)، ج23، ص 53.

7. البقرة (2) الآية 213؛ آل عمران (3) الآية19 ؛ الشورى (42) الآية 14 ؛ الجاثية (45) الآية 17.