شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 173
نمايش فراداده

اوصيكم بتقوى الله و حسن القيام على ما وكلتم بالقيام عليه، و قابلوا الله حسنا فى امره و زجره اقول قولى هذا و استغفر الله لى و لكم.

قال:و اقام عبدالله بن يحيى بصنعاء اشهرا، يحسن السيره فى الناس، و يلين جانبه لهم، و يكف الاذى عنهم، و كثر جمعه، و اتته الشراه من كل جانب، فلما كان فى وقت الحج وجه اباحمزه المختار بن عوف، و بلج بن عقبه، و ابرهه بن الصباح الى مكه، و ا لامير عليهم ابوحمزه فى الف، و امره ان يقيم بمكه اذا صدر الناس، و يوجه بلجا الى الشام، فاقبل المختار الى مكه يوم الترويه، و عليها و على المدينه عبدالواحد بن سليمان بن عبدالملك فى خلافه مروان، بن محمد بن مروان و ام عبدالواحد بنت عبدالله بن خالد بن اسيد، فكره عبدالوحد قتالهم، و فزع الناس منهم حين راوهم، و قد طلعوا عليهم بعرفه، و معهم اعلام سود فى رءوس الرماح، و قالوا لهم:ما لكم و ما حالكم؟ فاخبروهم بخلافهم مروان و آل مروان و التبرى ء منهم، فراسلهم عبدالواحد فى الا يعطلوا على الناس حجتهم.

فقال ابوحمزه:نحن بحجنا اضن، و عليه اشح، فصالحهم على انهم جميعا آمنون بعضهم من بعض، حتى ينفر الناس النفر الاخير، و اصبحوا من الغد، و وقفوا بحيال عبدالواحد بعرفه، و دفع عبدالواحد بالناس، فلما كانوا بمنى، قيل لعبد الواحد:قد اخطات فيهم، و لو حملت عليهم الحاج ما كانوا الا اكله راس.

و بعث عبدالواحد الى ابى حمزه عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب، و محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، و عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن ابى بكر، و عبيدالله بن عمر بن حفص العمرى، و ربيعه بن عبدالرحمن، و رجالا امثالهم، فلما قربوا من ابى حمزه اخذت هم مسالحه فادخلوا على ابى حمزه، فوجدوه جالسا، و عليه ازار قطرى قد ربطه بحوره فى قفاه، فلما دنوا، تقدم اليه عبدالله بن الحسن العلوى، و محمد بن عبدالله العثمانى، فنسبهما، فلما انتسبا له عبس فى وجوههما، و اظهر الكراهيه لهما، ثم تقدم اليه بعدهما البكرى و العمرى فنسبهما فانتسبا له، فهش اليهما و تبسم فى وجوههما، و قال:و الله ما خرجنا الا لنسير سيره ابويكما، فقال له عبدالله ابن حسن:و الله ما جئناك لتفاخر بين آبائنا، و لكن الامير بعثنا اليك برساله، و هذا ربيعه يخبركها، فلما اخبره ربيعه، قال له:ان الامير يخاف نقض العهد، قال:معاذ الله ان ننقض العهد، او نخيس به! و الله لاافعل و لو قطعت رقبتى هذه، و لكن الى ان تنقضى الهدنه بيننا و بينكم.

فخرجوا من عنده، فابلغوا عبدالواحد، فلما كان النفر الاخير، نفر عبدالواحد و خلى مكه لابى حمزه، فدخل بغير قتال، فقال بعض الشعراء يهجو عبدالواحد:زار الحجيج عصابه قد خالفوا دين الاله ففر عبدالواحد ترك الاماره و المواسم هاربا و مضى يخبط كالبعير الشارد فلو ان والده تخير امه لصفت خلائقه بعرق الوالد ثم مضى عبدالواحد حتى دخل المدينه و دعا بالديوان، فضرب على الناس البعث، و زادهم ف ى العطاء عشره عشره، و استعمل على الجيش عبدالعزيز بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان فخرجوا، فلقيتهم جزر منحوره، فتشاءم الناس بها، فلما كانوا بالعقيق علق لواء عبدالعزيز بسمره فانكسر الرمح، فتشاءموا بذلك ايضا.

ثم ساروا حتى نزلوا قديدا، فنزل بها قوم معتزلون، ليسوا باصحاب حرب، و اكثرهم تجار اغمار، قد خرجوا فى المصبغات و الثياب الناعمه و اللهو، لايظنون ان للخوارج شوكه، و لايشكون فى انهم فى ايديهم.

و قال رجل منهم من قريش:لو شاء اهل الطائف لكفونا امر هولاء، و لكنهم داهنوا فى دين الله، و الله لنظفرن و لنسيرن الى اهل الطائف فلنسبينهم، ثم قال:من يشترى منى من سبى اهل الطائف؟ قال ابوالفرج:فكان هذا الرجل اول المنهزمين، فلما وصل المدينه، و دخل داره، اراد ان يقول لجاريته:اغلقى الباب، قال لها:(غاق باق) دهشا، فلقبه اهل المدينه بعد ذلك (غاق باق)، و لم تفهم الجاريه قوله، حتى اوما اليها بيده، فاغلقت الباب.

قال:و كان عبدالعزيز يعرض الجيش بذى الحليفه، فمر به اميه بن عنبسه بن سعيد بن العاص، فرحب به وضحك اليه، ثم مر به عماره بن حمزه بن مصعب بن الزبير فلم يكلمه، و لم يلتفت اليه، فقال له عمران بن عبدالله بن مطيع- و كان ابن خالت ه، اما هما ابنتا عبدالله بن خالد بن اسيد-:سبحان الله! مر بك شيخ من شيوخ قريش، فلم تنظر اليه و لم تكلمه، و مر بك غلام من بنى اميه فضحكت اليه و لاطفته! اما و الله لو التقى الجمعان لعلمت ايهما اصبر! قال:فكان اميه بن عنبه اول من انهزم و ركب فرسه و مضى، و قال لغلامه:يا مجيب، اما و الله لئن احرزت هذه الاكلب من بنى الشراه انى لعاجز.

و اما عماره بن حمزه بن مصعب بن الزبير فقاتل يومئذ حتى قتل، و كان يحمل و يتمثل:و انى اذا ضن الامير باذنه على الاذن من نفسى اذا شئت قادر و الشعر للاغر بن حماد اليشكرى.

قال:فلما بلغ اباحمزه اقبال اهل المدينه اليه، استخلف على مكه ابرهه بن الصباح، و شخص اليهم، و على مقدمته بلج بن عقبه.

فلما كان فى الليله التى وافاهم فى صبيحتها، و اهل المدينه نزول بقديد، قال لاصحابه:انكم ملاقوا القوم غدا، و اميرهم فيما بلغنى ابن عثمان، اول من خالف سنه الخلفاء و بدل سنه رسول الله (ص)، و قد وضح الصبح لذى عينين، فاكثروا ذكر الله و تلاوه القرآن، و وطنوا انفسكم على الموت.

و صبحهم غداه الخميس لتسع خلون من صفر سنه ثلاثين و مائه.

قال ابوالفرج:و قال عبدالعزيز لغلامه فى تلك الليله:ابغنا علفا، قال:هو غال، فقال:ويحك! البواكى علينا غدا اغلى، و ارسل ابوحمزه اليهم بلج بن عتبه ليدعوهم، فاتاهم فى ثلاثين راكبا فذكرهم الله، و سالهم ان يكفوا عنهم، و قال لهم:خلوا سبيلنا الى الشام، لنسير الى من ظلمكم، و جار فى الحكم عليكم، و لاتجعلوا حدنا بكم، فانا لانريد قتالكم، فشتمهم اهل المدينه، و قالوا:يا اعداء الله، انحن نخليكم، و نترككم تفسدون فى الارض! فقالت الخوارج:يا اعداء الله، انحن نفسد فى الارض! انما خرجنا لنكف الفساد، و نقاتل من قاتلنا منكم، و استاثر بالفى ء! فانظروا لانفسكم، و اخلعوا من لم يجعل الله له طاعه، فانه لا طاعه لمخلوق فى معصيه الخالق، فادخلوا فى السلم، و عاونوا اهل الحق.

فناداه عبدالعزيز:ما تقول فى عثمان؟ قال:قد برى ء منه المسلمون قبلى، و انا متبع آثارهم، و مقتد بهم، قال:ارجع الى اصحابك فليس بيننا و بينكم الا السيف، فرجع الى ابى حمزه فاخبره، فقال كفوا عنهم، و لاتقاتلوهم حتى يبدءوكم بالقتال، فواقفوهم و لم يقاتلوهم، فرمى رجل من اهل المدينه بسهم فى عسكر ابى حمزه، فجرح منهم رجلا، فقال ابوحمزه:شانكم الان فقد حل قتالهم، فحملوا عليهم، فثبت بعضهم لبعض، و رايه قريش مع ابراهيم بن عبدالله بن مطيع، ثم انكشف اهل المد ينه، فلم يتبعوهم، و كان على عامتهم صخر بن الجهم بن حذيفه العدوى، فكبر و كبر الناس معه، فقاتلوا قليلا، ثم انهزموا فلم يبعدوا حتى كبر ثانيه، فثبت معه ناس و قاتلوا، ثم انهزموا هزيمه لم يبق بعدها منهم باقيه.

فقال على بن الحصين لابى حمزه:اتبع آثار القوم، اودعنى اتبعهم، فاقتل المدبر، و اذفف على الجريح، فان هولاء شر علينا من اهل الشام، و لو قد جاءك اهل الشام غدا لرايت من هولاء ما تكره، قال لاافعل، و لااخالف سيره اسلافنا.

و اخذ جماعه منهم اسرا، و اراد اطلاقهم، فمنعه على بن الحصين، و قال:ان لكل زمان سيره، و هولاء لم يوسروا و هم هراب، و انما اسروا و هم يقاتلون، و لو قتلوا فى ذلك الوقت لم يحرم قتلهم فهكذا الان، قتلهم حلال.

و دعا بهم، فكان اذا راى رجلا من قريش قتله، و اذا راى رجلا من الانصار اطلقه.

قال ابوالفرج:و ذلك لان قريشا كانوا اكثر الجيش، و بهم كانت الشوكه.

و اتى محمد بن عبدالعزيز بن عمرو بن عثمان، فنسبه، فقال:انا رجل من الانصار، فسال الانصار فاقرت بذلك، فاطلقه، فلما ولى قال:و الله انى لاعلم انه قرشى، و لكن قد اطلقته.

قال:و قد بلغت قتلى قديد الفين و مائتين و ثلاثين رجلا، منهم من قريش اربعمائه و خمسون رجلا، و من الانصار ثمانون رجلا، و من الموالى و سائر الناس الف و سبعمائه رجل.

قال:و كان فى قتلى قريش من بنى اسد بن عبدالعزى بن قصى اربعون رجلا.

قال:و قتل يومئذ اميه بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، خرج مقنعا، فلم يكلم احدا، و قاتل حتى قتل، و دخل بلج المدينه بغير حرب، فدخلوا فى طاعته، و كف عنهم، و رجع الى ملكه، و كان على شرطته ابوبكر بن عبدالله بن عمر، من آل سراقه، فكان اهل المدينه، يقولون:لعن الله السراقى، و لعن الله بلجا العراقى.