شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 176
نمايش فراداده

خطبه 061-هشدار به كشته شدن

الشرح:

الغيله:القتل على غير علم و لا شعور.

و الجنه:الدرع و ما يجن به، اى يستتر من ترس و غيره.

و طاش السهم، اذا صدف عن الغرض.

و الكلم:الجرح، و يعنى بالجنه هاهنا الاجل، و على هذا المعنى الشعر المنسوب اليه (ع):من اى يومى من الموت افر ايوم لم يقدر ام يوم قدر فيوم لايقدر لاارهبه و يوم قد قدر لايغنى الحذر و منه قول صاحب الزنج:و اذا تنازعنى اقول لها قرى موت يريحك او صعود المنبر ما قد قضى سيكون فاصطبرى له و لك الامان من الذى لم يقدر و مثله:قد علم المستاخرون فى الوهل ان الفرار لايزيد فى الاجل و الاصل فى هذا كله قوله تعالى:(و ما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا موجلا).

و قوله تعالى:(فاذا جاء اجلهم لايستاخرون "ساعه" و لايستقدمون).

و قوله سبحانه:(توفته رسلنا و هم لايفرطون)، و فى القرآن العزيز كثير من ذلك.

(اختلاف الناس فى الاجال) و اختلف الناس فى الاجال، فقالت الفلاسفه و الاطباء:لا اجل مضروب لاحد من الحيوان كله من البشر و لا من غيرهم.

و الموت عندهم على ضربين:قسرى و طبيعى:فالقسرى الموت بعارض، اما من خارج الجسد كالمتردى و الغريق و المقتول، و نحو ذلك، او من داخل الجسد ك ما يعرض من الامراض القاتله، مثل السل و الاستسقاء و السرسام، و نحو ذلك.

و الموت الطبيعى ما يكون بوقوف القوه الغاذيه التى تورد على البدن عوض ما يتحلل منه، و هذه القوه المستخدمه للقوى الاربع:الجاذبه، و الدافعه، و الماسكه، و الهاضمه.

و البدن لايزال فى التحلل دائما من الحركات الخارجيه، و من الافكار و الهموم و ملاقاه الشمس و الريح، و العوارض الطارئه، و من الجوع و العطش.

و القوه الغاذيه تورد على البدن عوض الاجزاء المتحلله، فتصرفها فى الغذاء المتناول، و استخدام القوى الاربع المذكوره.

و منتهى بقاء هذه القوه فى الاعم الاغلب للانسان مائه و عشرون سنه، و قد رايت فى كتب بعض الحكماء انها تبقى مائه و ستين سنه، و لايصدق هولاء بما يروى من بقاء المعمرين، فاما اهل الملل فيصدقون بذلك.

و اختلف المتكلمون فى الاجال، فقالت المعتزله:ينبغى اولا ان نحقق مفهوم قولنا:(اجل) ليكون البحث فى التصديق بعد تحقق التصور، فالاجل عندنا هو الوقت الذى يعلم الله ان حياه ذلك الانسان او الحيوان تبطل فيه، كما ان اجل الدين هو الوقت الذى يحل فيه، فاذا سالنا سائل فقال:هل للناس آجال مضروبه؟ قلنا له:ما تعنى بذلك؟ اتريد:هل يعلم الله تعالى الاوقات التى تب طل فيها حياه الناس؟ ام تريد بذلك انه:هل يراد بطلان حياه كل حى فى الوقت الذى بطلت حياته فيه؟ فان قال:عنيت الاول، قيل له:نعم للناس آجال مضروبه بمعنى معلومه، فان الله تعالى عالم بكل شى ء.

و ان قال:عنيت الثانى، قيل:لايجوز عندنا اطلاق القول بذلك، لانه قد تبطل حياه نبى او ولى بقتل ظالم، و البارى ء تعالى لايريد عندنا ذلك.

فان قيل:فهل تقولون:ان كل حيوان يموت و تبطل حياته باجله؟ قيل:نعم، لان الله قد علم الوقت الذى تبطل حياته فيه، فليس تبطل حياته الا فى ذلك الوقت، لا لان العلم ساق الى ذلك، بل انما تبطل حياته بالامر الذى اقتضى بطلانه، و البارى ء تعالى يعلم الاشياء على ما هى عليه، فان بطلت حياته بقتل ظالم فذلك ظلم و جور، و ان بطلت حياته من قبل الله تعالى فذلك حكمه و صواب.

و قد يكون ذلك لطفا لبعض المكلفين.

و اختلف الناس:لو لم يقتل القاتل المقتول، هل كان يجوز ان يبقيه الله تعالى؟ فقطع الشيخ ابوالهذيل على موته لو لم يقتله القاتل، و اليه ذهب الكراميه، قال محمد بن الهيصم:مذهبنا ان الله تعالى قد اجل لكل نفس اجلا لن ينقضى عمره دون بلوغه، و لايتاخر عنه، و معنى الاجل هو الوقت الذى علم الله ان الانسان يموت فيه، و كتب ذلك فى اللوح المحفوظ، و ليس يجوز ان يكون الله تعالى قد اجل له اجلا، ثم يقتل قبل بلوغه او يخترم دونه، و لا ان يتاخر عما اجل له، ليس على معنى ان القاتل مضطر الى قتله، حتى لايمكنه الامتناع منه، بل هو قادر على ان يمتنع من قتله، و لكنه لايمتنع منه اذ كان المعلوم انه يقتله لاجله بعينه، و كتب ذلك عليه.

و لو توهمنا فى التقدير، انه يمتنع من قتله، لكان الانسان يموت لاجل ذلك، لانهما امران موجلان باجل واحد، فاحدهما قتل القاتل اياه، و الثانى تصرم مده عمره و حلول الموت به، فلو قدرنا امتناع القاتل من قتله، لكان لايجب بذلك الا يقع الموجل الثانى الذى هو حلول الموت به، بل كان يجب ان يموت باجله.

قال:و بيان ذلك من كتاب الله توبيخه المنافقين على قولهم:(لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا)، فقال تعالى لهم:(قل فادرءوا عن انفسكم الموت ان كنتم صادقين)، فدل على انهم لو تجنبوا مصارع القتل لم يكونوا ليدرءوا بذلك الموت عن انفسهم.

و قالت الاشعريه و الجهميه و الجبريه كافه:انها آجال مضروبه محدوده، و اذا اجل الاجل، و كان فى المعلوم ان بعض الناس يقتله، وجب وقوع القتل منه لا محاله، و ليس يقدر القاتل على الامتناع من قتله، و تقدير انتفاء القتل ل يقال:كيف كانت تكون الحال، تقدير امر محال، كتقدير عدم القديم و اثبات الشريك، و تقدير الامور المستحيله لغو و خلف من القول.

و قال قوم من اصحابنا البغداديين رحمهم الله بالقطع على حياته لو لم يقتله القاتل، و هذا عكس مذهب ابى الهذيل و من وافقه، و قالوا:لو كان المقتول يموت فى ذلك الوقت لو لم يقتله القاتل لما كان القاتل مسيئا اليه، اذ لم يفوت عليه حياه لو لم يبطلها لبقيت، و لما استحق القود، و لكان ذابح الشاه بغير اذن مالكها، قد احسن الى مالكها لانه لو لم يذبحها لماتت، فلم يكن ينتفع بلحمها.

قالوا:و الذى احتج به من كونهما موجلين باجل واحد فلو قدرنا انتفاء احد الامرين فى ذلك الوقت لم يجب انتفاء الاخر، ليس بشى ء، لان احدهما عله الاخر، فاذا قدرنا انتفاء العله، وجب ان ينتفى فى ذلك التقدير انتفاء المعلول، فالعله قتل القاتل، و المعلول بطلان الحياه، و انما كان يستمر و يصلح ما ذكروه، لو لم يكن بين الامرين عليه العليه و المعلوليه.

قالوا:و الايه التى تعلقوا فيها لاتدل على قولهم، لانه تعالى لم ينكر ذلك القول انكار حاكم بانهم لو لم يقتلوا لماتوا، بل قال:كل حى ميت، اى لابد من الموت، اما معجلا و اما موجلا.

قالوا:فاذا قال لنا قائل:اذا قلتم انه يبقى لو لم يقتله القاتل، الستم تكونون قد قلتم:ان القاتل قد قطع عليه اجله؟ قلنا له:انما يكون قاطعا عليه اجله لو قتله قبل الوقت الذى علم الله تعالى ان حياته تبطل فيه، و ليس الامر كذلك، لان الوقت الذى علم الله تعالى ان حياته تبطل فيه هو الوقت الذى قتله فيه القاتل، و لم يقتله القاتل قبل ذلك، فيكون قد قطع عليه اجله.

قالوا:فاذا قال لنا:فهل تقولون انه قطع عليه عمره؟ قلنا له:ان الزمان الذى كان يعيش فيه لو لم يقتله القاتل لايسمى عمرا الا على طريق المجاز، باعتبار التقدير، و لسنا نطلق ذلك الا مقيدا، لئلا يوهم، و انما قلنا:انا نقطع على انه لو لم يقتل لم يمت، و لانطلق غير ذلك.

و قال قدماء الشيعه:الاجال تزيد و تنقص، و معنى الاجل، الوقت الذى علم الله تعالى ان الانسان يموت فيه ان لم يقتل قبل ذلك، او لم يفعل فعلا يستحق به الزياده و النقصان فى عمره.

قالوا:و ربما يقتل الانسان الذى ضرب له من الاجل خمسون سنه، و هو ابن عشرين سنه، و ربما يفعل من الافعال ما يستحق به الزياده فيبلغ مائه سنه، او يستحق به النقيصه فيموت و هو ابن ثلاثين سنه.

قالوا:فمما يقتضى الزياده، صله الرحم، و مما يقتضى النقيصه الزنا و عقوق الوالدين، و تعلقوا بقوله تعالى:(و ما يعمر من معمر و لاينقص من عمره الا فى كتاب).

و ربما قال قوم منهم:ان الله تعالى يضرب الاجل لزيد خمسين سنه او ما يشاء، فيرجع عن ذلك فيما بعد، و يجعله اربعين او ثلاثين، او ما يشاء، و بنوه على قولهم فى البداء.

و قال اصحابنا:هذا يوجب ان يكون الله تعالى قد اجل الاجال على التخمين دون التحقيق، حيث اجل لزيد خمسين، فقتل لعشرين، و افسدوا ان يعلم الله تعالى الشى ء بشرط، و ان يبدو له فيما يقضيه و يقدره، بما هو مشهور فى كتبهم.

و قالوا:فى الايه ان المراد بها ان ينقص سبحانه بعض الناس عن مقدار اجل المعمر، بان يكون انتقص منه عمرا، ليس انه ينقص من عمر ذلك المعمر.

فاما مشايخنا ابوعلى و ابوهاشم فتوقفا فى هذه المساله، و شكا فى حياه المقتول و موته، و قالا:لايجوز ان يبقى لو لم يقتل، و يجوز ان يموت، قالا:لان حياته و موته مقدوران لله عز و جل، و ليس فى العقل ما يدل على قبح واحد منهما، و لا فى الشرع ما يدل على حصول واحد منهما، فوجب الشك فيهما، اذ لا دليل يدل على واحد منهما.

قالوا:فاما احتجاج القاطعين على موته، فقد ظهر فساده بما حكى من الجواب عنه.

قالوا:و مما يدل على بطلانه من الكتاب العزيز قو له تعالى:(و لكم فى القصاص حياه يا اولى الالباب)، فحكم سبحانه بان اثباته القصاص مما يزجر القاتل عن القتل، فتدوم حياه المقتول، فلو كان المقتول يموت لو لم يقتله القاتل ما كان فى اثبات القصاص حياه.

قالوا:و اما احتجاج البغداديين على القطع على حياته بما حكى عنهم، فلا حجه فيه، اما الزام القاتل القود و الغرامه فلانا غير قاطعين على موت المقتول لو لم يقتل، بل يجوز ان يبقى و يغلب ذلك على ظنوننا، لان الظاهر من حال الحيوان الصحيح الا يموت فى ساعته، و لا بعد ساعته و ساعات، فنحن نلزم القاتل القود و الغرامه، لان الظاهر انه ابطل ما لو لم يبطله لبقى.

و ايضا فموت المقتول لو لم يقتله القاتل لايخرج القاتل من كونه مسيئا، لانه هو الذى تولى ابطال الحياه، الا ترى ان زيدا لو قتل عمرا لكان مسيئا اليه، و ان كان المعلوم انه لو لم يقتله لقتله خالد فى ذلك الوقت! و ايضا فلو لم يقتل القاتل المقتول و لم يذبح الشاه حتى ماتا، لكان يستحق المقتول و مالك الشاه من الاعواض على البارى ء سبحانه اكثر مما يستحقانه على القاتل و الذابح، فقد اساه القاتل و الذابح حيث فوتا على المقتول و مالك الشاه زياده الاعواض.

فاما شيخنا ابوالحسين فاختار الشك ايضا فى الا مرين الا فى صوره واحده، فانه قطع فيها على دوام الحياه، و هى ان الظالم قد يقتل فى الوقت الواحد الالوف الكثيره فى المكان الواحد، و لم تجر العاده بموت مثلهم فى حاله واحده فى المكان الواحد، و اتفاق ذلك نقض العاده، و ذلك لايجوز.

قال الشيخ:ليس يمتنع ان يقال فى مثل هولاء انه يقطع على ان جميعهم ما كانوا يموتون فى ذلك المكان فى ذلك الوقت لو لم يقتلهم القاتل، ان كان الوقت وقتا لايجوز انتقاض العادات فيه، و لكن يجوز ان يموت بعضهم دون بعض، لانه ليس فى موت الواحد و الاثنين فى وقت واحد فى مكان واحد نقض عاده، و لايمتنع هذا الفرض من موتهم باجمعهم فى زمان نبى من الانبياء.

و قد ذكرت فى كتبى المبسوطه فى علم الكلام فى هذا الباب ما ليس هذا الشرح موضوعا لاستقصائه.