شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
فرجعوا الى ابى حمزه و هو بالمدينه، و قد اغتموا و جزعوا من ذلك الخبر، و قالوا:فررنا من الزحف، فقال لهم ابوحمزه:لاتجزعوا فانا لكم فئه، و الى تحيزتم.و خرج ابوحمزه الى مكه، فدعا عمر بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب اهل المدينه الى قتال المفضل، خليفه ابى حمزه على المدينه، فلم يجد احدا، لان القتل قد كان اسرع فى الناس و خرج وجوه اهل البلد عنه، فاجتمع الى عمر البربر و الزنوج و اهل السوق و العبيد، فقاتل بهم الشراه، فقتل المفض
ل و عامه اصحابه، و هرب الباقون، فلم يبق منهم احد، فقال فى ذلك سهيل مولى زينب بنت الحكم بن ابى العاص:ليت مروان رآنا يوم الاثنين عشيه اذ غسلنا العار عنا و انتضينا المشرفيه قال:فلما قدم ابن عطيه اتاه عمر بن عبدالرحمن، فقال له:اصلحك الله! انى جمعت قضى و قضيضى، فقاتلت هولاء الشراه فلقبه اهل المدينه:قضى و قضيضى.قال ابوالفرج، و اقام ابن عطيه بالمدينه شهرا، و ابوحمزه مقيم بمكه، ثم توجه اليه، فقال على بن الحصين العبدى لابى حمزه:انى كنت اشرت عليك يوم قديد و قبله ان تقتل الاسرى فلم تفعل، حتى قتلوا المفضل و اصحابنا المقيمين معه بالمدينه، و انا اشير عليك الان ان تضع السيف فى اهل مكه، فانهم كفره فجره، و لو قد قدم ابن عطيه لكانوا اشد عليك من اهل المدينه، فقال:لاارى ذلك، لانهم قد دخلوا فى الطاعه، و اقروا بالحكم، و وجب لهم حق الولايه.فقال انهم سيغدرون، فقال:(و من نكث فانما ينكث على نفسه).و قدم ابن عطيه مكه فصير اصحابه فرقتين، و لقى الخوارج من وجهين، فكان هو بازاء ابى حمزه فى اسفل مكه، و جعل طائفه اخرى بالابطح بازاء ابرهه بن الصباح، فقتل ابرهه، كمن له ابن هبار و هو على خيل دمشق، فقتله عند بئر ميمون، و التقى ا
بن عطيه بابى حمزه، فخرج اهل مكه باجمعهم مع ابن عطيه، و تكاثر الناس على ابى حمزه، فقتل على فم الشعب، و قتلت معه امراته و هى ترتجز:انا الجديعاء و بنت الاعلم من سال عن اسمى فاسمى مريم (بعت سوارى بعضب مخذم).و قتلت الخوارج قتلا ذريعا، و اسر منهم اربعمائه، فقال لهم ابن عطيه:ويلكم! ما دعاكم الى الخروج مع هذا؟ فقالوا:ضمن لنا (الكنه)، يريدون (الجنه)، فقتلهم كلهم، و صلب اباحمزه و ابرهه بن الصباح على شعب الخيف، و دخل على بن الحصين دارا من دور قريش، فاحدق اهل الشام بها فاحرقوها، فرمى بنفسه عليهم و قاتل، فاسر و قتل و صلب مع ابى حمزه، فلم يزالوا مصلوبين حتى افضى الامر الى بنى هاشم، فانزلوا فى خلافه ابى العباس.قال ابوالفرج:و ذكر ابن الماجشون ان ابن عطيه لما التقى بابى حمزه، قال ابوحمزه لاصحابه:لاتقاتلوهم حتى تختبروهم، فصاحوا فقالوا:يا اهل الشام، ما تقولون فى القرآن؟ (و العمل)؟ به فقال ابن عطيه:نضعه فى جوف الجوالق، قالوا:فما تقولون فى اليتيم؟ قالوا:ناكل ماله و نفجر بامه، فى اشياء بلغنى انهم سئلوا عنها، فلما سمعوا كلامهم قاتلوهم حتى امسوا، فصاحت الشراه:ويحك يابن عطيه! ان الله جل و عز قد جعل الليل سكنا فاس
كن و نسكن، فابى و قاتلهم حتى افناهم.قال:و لما خرج ابوحمزه من المدينه خطب، فقال يا اهل المدينه، انا خارجون لحرب مروان، فان نظهر عليه نعدل فى احكامكم، و نحملكم على سنه نبيكم، و ان يكن ما تمنيتم لنا، فسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون.قال:و قد كان اتبعه على رايه قوم من اهل المدينه و بايعوه، منهم بشكست النحوى، فلما جاءهم قتله وثب الناس على اصحابه فقتلوهم، و كان ممن قتلوه بشكست النحوى، طلبوه فرقى فى درجه دار، فلحقوه فانزلوه، و قتلوه و هو يصيح:يا عباد الله، فيم تقتلوننى! فقيل فيه:لقد كان بشكست عبدالعزيز من اهل القراءه و المسجد فبعدا لبشكست عبدالعزيز و اما القرآن فلا تبعد قال ابوالفرج:و حدثنى بعض اصحابنا انه راى رجلا واقفا على سطح يرمى بالحجاره قوم ابى حمزه بمكه، فقيل له:ويلك! اتدرى من ترمى مع اختلاط الناس؟ فقال:و الله ما ابالى من رميت، انما يقع حجرى فى شام او شار، و الله ما ابالى ايهما قتلت.قال ابوالفرج:و خرج ابن عطيه الى الطائف، و اتى قتل ابى حمزه الى عبدالله بن يحيى طالب الحق، و هو بصنعاء، فاقبل فى اصحابه يريد حرب ابن عطيه، فشخص ابن عطيه اليه، و التقوا، فقتل بين الفريقين جمع كثير، و ترجل عبدا
لله بن يحيى فى الف رجل، فقاتلوا حتى قتلوا كلهم، و قتل عبدالله بن يحيى، و بعث ابن عطيه راسه الى مروان بن محمد، و قال ابوصخر الهذلى، يذكر ذلك:قتلنا عبيدا و الذى يكتنى الكنى اباحمزه القارى المصلى اليمانيا و ابرهه الكندى خاضت رماحنا و بلجا منحناه السيوف المواضيا و ما تركت اسيافنا منذ جردت لمروان جبارا على الارض عاصيا و قال عمرو بن الحصين العنبرى، يرثى اباحمزه و غيره من الشراه، و هذه القصيده من مختار شعر العرب:هبت قبيل تبلج الفجر هند تقول و دمعها يجرى اذ ابصرت عينى و ادمعها تنهل واكفه على النحر:انى اعتراك و كنت عهدى لا سرب الدموع و كنت ذا صبر! اقذى بعينك لايفاوقها ام عائر، ام ما لها تذرى! ام ذكر اخوان فجعت بهم سلكوا سبيلهم على قدر فاجبتها بل ذكر مصرعهم لا غيره عبراتها تمرى يا رب اسلكنى سبيلهم - ذا العرش- و اشدد بالتقى ازرى فى فتيه صبروا نفوسهم للمشرفيه و القنا السمر تالله ما فى الدهر مثلهم حتى اكون رهينه القبر اوفى بذمتهم اذا عقدوا و اعف عند العسر و اليسر متاهبون لكل صالحه ناهون من لاقوا عن النكر صمت اذا حضروا مجالسهم من غير ماعى بهم يزرى الا تجيئهم
فانهم رجف القلوب بحضره الذكر متاوهون كان جمر غضا للموت بين ضلوعهم يسرى فهم كان بهم جرى مرض او مسهم طرف من السحر لاليلهم ليل فيلبسهم فيه غواشى النوم بالسكر الا كرى خلسا و آونه حذر العقاب فهم على ذعر كم من اخ لك قد فجعت به قوام ليلته الى الفجر متاوها يتلو قوارع من آى الكتاب مفزع الصدر ظمان وقده كل هاجره تراك لذته على قدر رفاض ما تهوى النفوس اذا رغب النفوس دعت الى المرز و مبرا من كل سيئه عف الهوى ذا مره شزر و المصطلى بالحرب يوقدها بحسامه فى فتيه زهر يختاضها بافل ذى شطب عضب المضارب ظاهر الاثر لا شى ء يلقاه اسر له من طعنه فى ثغره النحر منهاره منه تجيش بما كانت عواصم جوفه تجرى لخليلك المختار اذك به من مغتد فى الله او مسرى! خواض غمره كل متلفه فى الله تحت العثير الكدر نزال ذى النجوات مختضبا بنجيعه بالطعنه الشزر و ابن الحصين و هل له شبه فى العرف انى كان و النكر بشهامه لم تحن اضلعه لذوى احزته على غدر طلق اللسان بكل محكمه رآب صدع العظم ذى الكسر لم ينفكك فى جوفه حزن تغلى حرارته و تستشرى ترقى و آونه يخفضها بتنفس الصعداء و الزفر و مخا
لطى بلج و خالصتى سهم العدو و جابر الكسر نكل الخصوم اذا هم شغبوا و سداد ثلمه عوره الثغر و الخائض الغمرات يخطر فى وسط الاعادى ايما خطر بمشطب او غير ذى شطب هام العدا بذبابه يفرى و اخيك ابرهه الهجان اخى ال حرب العوان و موقد الجمر و الضارب الاخدود ليس لها حد ينهنهها عن السحر و ولى حكمهم فجعت به عمرو، فوا كبدى على عمرو! قوال محكمه و ذو فهم عف الهوى متثبت الامر و مسيب فاذكر وصيته لاتنس اما كنت ذا ذكر فكلاهما قد كان مختشعا لله ذا تقوى و ذا بر فى مخبتين و لم اسمهم كانوا ندى و هم اولو نصرى و هم مساعر فى الوغى رجح و خيار من يمشى على العفر حتى وفوا لله حيث لقوا بعهود لاكذب و لا غدر فتخالسوا مهجات انفسهم و عداتهم بقواضب بتر و اسنه اثبتن فى لدن خطيه باكفهم زهر تحت العجاج و فوقهم خرق يخفقن من سود و من حمر فتوقدت نيران حربهم ما بين اعلى البيت و الحجر و تصرعت عنهم فوارسهم لم يغمضوا عينا على وتر صرعى فخاويه بيوتهم و خوامع بجسومهم تفرى قال ابوالفرج:و اقام ابن عطيه بحضرموت بعد ظفره بالخوارج حتى اتاه كتاب مروان، يامره بالتعجيل الى مكه، فيحج بالناس، فشخص
الى مكه متعجلا مخفا فى تسعه عشر فارسا، و ندم مروان على ما كتبه، و قال:قتلت ابن عطيه، و سوف يخرج متعجلا مخفا من اليمن ليلحق الحج فيقتله الخوارج، فكان كما قال، صادقه فى طريقه جماعه متلففه فمن كان منهم اباضيا قال:ما تنتظر ان ندرك ثار اخواننا، و من لم يكن منهم اباضيا ظن انه اباضى منهزم من ابن عطيه، فصمد له سعيد و جمانه ابناالاخنس الكنديان فى جماعه من قومهما، و كانوا على راى الخوارج، فعطف ابن عطيه على سعيد فضربه بالسيف، و طعنه جمانه فصرعه، فنزل اليه سعيد، فقعد على صدره، فقال له ابن عطيه:هل لك فى ان تكون اكرم العرب اسيرا؟ فقال سعيد:يا عدو الله، اتظن الله يهملك! او تطمع فى الحياه، و قد قتلت طالب الحق و اباحمزه و بلجا و ابرهه! فذبحه.و قتل اصحابه اجمعون.فهذا يسير مما هو معلوم من حال هذه الطائفه فى خشونتها فى الدين، و تلزمها بناموسه، و ان كانت فى اصل العقيده على ضلال، و هكذا قال النبى (ص) عنهم:(تستحقر صلاه احدكم فى جنب صلاتهم، و صيام احدكم فى جنب صيامهم)، و معلوم ان معاويه و من بعده من بنى اميه لم تكن هذه الطريقه طريقتهم، و لا هذه السنه سنتهم، و انهم كانوا اهل دنيا و اصحاب لعب و لهو و انغماس فى اللذات، و قله مب
الاه بالدين، و منهم من هو مرمى بالزندقه و الالحاد.(اخبار متفرقه عن معاويه) و قد طعن كثير من اصحابنا فى دين معاويه، و لم يقتصروا على تفسيقه، و قالوا عنه انه كان ملحدا لايعتقد النبوه، و نقلوا عنه فى فلتات كلامه و سقطات الفاظه ما يدل على ذلك.و روى الزبير بن بكار فى "الموفقيات"- و هو غير متهم على معاويه، و لا منسوب الى اعتقاد الشيعه، لما هو معلوم من حاله من مجانبه على (ع) و الانحراف عنه-:قال المطرف بن المغيره بن شعبه:دخلت مع ابى على معاويه، و كان ابى ياتيه، فيتحدث معه، ثم ينصرف الى فيذكر معاويه و عقله، و يعجب بما يرى منه، اذ جاء ذات ليله، فامسك عن العشاء، و رايته مغتما فانتظرته ساعه، و ظننت انه لامر حدث فينا، فقلت ما لى اراك مغتما منذ الليله؟ فقال:يا بنى، جئت من عند اكفر الناس و اخبثهم، قلت:و ما ذاك؟ قال:قلت له و قد خلوت به:انك قد بلغت سنا يا اميرالمومنين، فلو اظهرت عدلا، و بسطت خيرا فانك قد كبرت، و لو نظرت الى اخوتك من بنى هاشم، فوصلت ارحامهم فو الله ما عندهم اليوم شى ء تخافه، و ان ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه، فقال:هيهات هيهات! اى ذكر ارجو بقاءه! ملك اخو تيم فعدل، و فعل ما فعل فما عدا ان هلك حتى ه
لك ذكره، الا ان يقول قائل:ابوبكر، ثم ملك اخو عدى، فاجتهد و شمر عشر سنين، فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره، الا ان يقول قائل:عمر، و ان ابن ابى كبشه ليصاح به كل يوم خمس مرات:(اشهد ان محمدا رسول الله)، فاى عملى يبقى؟ و اى ذكر يدوم بعد هذا لا ابا لك! لا و الله الا دفنا دفنا.و اما افعاله المجانبه للعدله الظاهره من لبسه الحرير، و شربه فى آنيه الذهب و الفضه، حتى انكر عليه ذلك ابوالدرداء، فقال له:انى سمعت رسول الله (ص) يقول، (ان الشارب فيها ليجرجر فى جوفه نار جهنم) و قال معاويه:اما انا فلا ارى بذلك باسا، فقال ابوالدرداء:من عذيرى من معاويه! انا اخبره عن الرسول (ص) و هو يخبرنى عن رايه! لااساكنك بارض ابدا.نقل هذا الخبر المحدثون و الفقهاء فى كتبهم فى باب الاحتجاج على ان خبر الواحد معمول به فى الشرع، و هذا الخبر يقدح فى عدالته، كما يقدح ايضا فى عقيدته، لان من قال فى مقابله خبر قد روى عن رسول الله (ص):اما انا فلا ارى باسا فيما حرمه رسول الله (ص)، ليس بصحيح العقيده و من المعلوم ايضا من حاله استئثاره بمال الفى ء، و ضربه من لا حد عليه، و اسقاط الحد عمن يستحق اقامه الحد عليه، و حكمه برايه فى الرعيه و فى دين الله، و استلحا
قه زيادا، و هو يعلم قول رسول الله (ص):(الولد للفراش و للعاهر الحجر)، و قتله حجر بن عدى و اصحابه و لم يجب عليهم القتل، و مهانته لابى ذر الغفارى و جبهه و شتمه و اشخاصه الى المدينه على قتب بعير و طاء لانكاره عليه، و لعنه عليا و حسنا و حسينا و عبدالله بن عباس على منابر الاسلام، و عهده بالخلافه الى ابنه يزيد، مع ظهور فسقه و شربه المسكر جهارا، و لعبه بالنرد، و نومه بين القيان المغنيات و اصطباحه معهن، و لعبه بالطنبور بينهن، و تطريقه بنى اميه للوثوب على مقام رسول الله (ص) و خلافته، حتى افضت الى يزيد بن عبدالملك و الوليد بن يزيد، المفتضحين الفاسقين:صاحب حبابه و سلامه، و الاخر رامى المصحف بالسهام و صاحب الاشعار فى الزندقه و الالحاد.و لاريب ان الخوارج انما برى ء اهل الدين و الحق منهم، لانهم فارقوا عليا و برئوا منه و ما عدا ذلك من عقائدهم، نحو القول بتخليد الفاسق فى النار، و القول بالخروج على امراء الجور، و غير ذلك من اقاويلهم، فان اصحابنا يقولون بها، و يذهبون اليها، فلم يبق ما يقتضى البراءه منهم الا براءتهم من على، و قد كان معاويه يلعنه على رءوس الاشهاد و على المنابر فى الجمع و الاعياد فى المدينه و مكه و فى سائر مدن
الاسلام، فقد شارك الخوارج فى الامر المكروه منهم، و امتازوا عليه باظهار الدين و التلزم بقوانين الشريعه، و الاجتهاد فى العباده، و انكار المنكرات، و كانوا احق بان ينصروا عليه من ان ينصر عليهم، فوضح بذلك قول اميرالمومنين:(لاتقاتلوا الخوارج بعدى)، يعنى فى ملك معاويه.و مما يوكد هذا المعنى ان عبدالله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاويه بالخوارج، و استدعاهم الى ملكه، فقال فيه الشاعر:يابن الزبير اتهوى فتيه قتلوا ظلما اباك و لما تنزع الشكك! ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحيه يا طيب ذاك الدم الزاكى الذى سفكوا! فقال ابن الزبير:لو شايعنى الترك و الديلم على محاربه بنى اميه لشايعتهم و انتصرت بهم.