خطبه 048-هنگام لشكركشى به شام
قال الرضى رحمه الله: يعنى (ع) بالملطاط هاهنا السمت الذى امرهم بلزومه، و هو شاطى ء الفرات، و يقال ذلك ايضا لشاطى ء البحر، و اصله ما استوى من الارض، و يعنى بالنطفه ماء الفرات، و هو من غريب العبارات و عجيبها.الشرح:
وقب الليل، اى دخل، قال الله تعالى: (و من شر غاسق اذا وقب).و غسق، اى اظلم.و خفق النجم اى غاب.و مقدمه الجيش، بكسر الدال: اوله، و ما يتقدم منه على جمهور العسكر، و مقدمه لانسان، بفتح الدال: صدره.و الملطاط: حافه الوادى و شفيره، و ساحل البحر، قال روبه: نحن جمعنا الناس بالملطاط.قال الاصمعى: يعنى به ساحل البحر، و قول ابن مسعود: هذا الملطاط طريق بقيه المومنين، هرابا من الدجال- يعنى به شاطى ء الفرات.فاما قول الرضى رحمه الله تعالى: (الملطاط: السمت الذى امرهم بلزومه و هو شاطى ء الفرات، و يقال ذلك لشاطى ء البحر)، فلا معنى له، لانه لا فرق بين شاطى ء الفرات و شاطى ء البحر، و كلاهما امر واحد، و كان الواجب ان يقول: الملطاط: السمت فى الارض، و يقال ايضا لشاطى ء البحر.و الشرذمه: نفر قليلون.و موطنين اكناف دجله، اى قد جعلوا اكنافها وطنا، اوطنت البقعه.و الاكناف: الجوانب، واحدها كنف.و الامداد: جمع مدد، و هو ما يمد به الجيش تقويه له.و هذه الخطبه خطب بها اميرالمومنين (ع) و هو بالنخيله خارجا من الكوفه و متوجها الى صفين لخمس بقين من شوال سنه سبع و ثلاثين: ذكرها جماعه من اصحاب السير، و زادوا فيها: (و قد امرت على المصر عقبه بن عمرو الانصارى، و لم آلكم و لا نفسى، فاياكم و التخلف و التربص، فانى قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعى، و امرته الا يترك متخلفا الا الحقه بكم عاجلا ان شاءالله).و روى نصر بن مزاحم عوض قوله: (فانهضهم معكم الى عدوكم) (فانهضهم معكم الى عدو الله).قال نصر: فقام اليه معقل بن قيس الرياحى، فقال: يا اميرالمومنين، و الله ما يتخلف عنك الا ظنين، و لايتربص بك الا منافق، فمر مالك بن حبيب فليضرب اعناق المتخلفين.فقال: قد امرته بامرى، و ليس بمقصر ان شاءالله.(اخبار على فى جيشه و هو فى طريقه الى صفين) قال نصر بن مزاحم: ثم سار (ع) حتى انتهى الى مدينه بهرسير، و اذا رجل من اصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف، من بنى ربيعه بن مالك، ينظر الى آثار كسرى، و يتمثل بقول الاسود بن يعفر: جرت الرياح على محل ديارهم فكانما كانوا على ميعاد فقال له (ع): الا قلت: (كم تركوا من جنات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمه كا
نوا فيها فاكهين كذلك و اورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء و الارض و ما كانوا منظرين)، ان هولاء كانوا وارثين فاصبحوا مورثين، و لم يشكروا النعمه، فسلبوا دنياهم بالمعصيه.اياكم و كفر النعم، لاتحل بكم النقم، انزلوا بهذه الفجوه.قال نصر: و حدثنا عمر بن سعد، عن مسلم الاعور عن حبه العرنى، قال: امر على (ع) الحارث الاعور، فصاح فى اهل المدائن: من كان من المقاتله فليواف اميرالمومنين (ع) صلاه العصر.فوافوه فى تلك الساعه، فحمد الله، و اثنى عليه، ثم قال: اما بعد، فانى قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم، و انقطاعكم عن اهل مصركم فى هذه المساكن الظالم اهلها، الهالك اكثر ساكنيها، لامعروف يامرون به، و لا منكر ينهون عنه.قالوا: يا اميرالمومنين، انا ننتظر امرك، مرنا بما احببت.فسار و خلف عليهم عدى بن حاتم، فاقام عليهم ثلاثا ثم خرج فى ثمانمائه رجل منهم، و خلف ابنه زيدا بعده، فلحقه فى اربعمائه رجل منهم.و جاء على (ع) حتى مر بالانبار، فاستقبله بنو خشنوسك، دهاقينها.- قال نصر: الكلمه فارسيه، اصلها (خش) اى الطيب- قال: فلما استقبلوه، نزلوا عن خيولهم، ثم جاءوا يشتدون معه، و بين يديه و معهم براذين قد اوقفوها فى طريقه، فقال: ما هذه الدواب
التى معكم؟ و ما اردتم بهذا الذى صنعتم؟ قالوا: اما هذا الذى صنعنا فهو خلق منا نعظم به الامراء، و اما هذه البراذين فهديه لك، و قد صنعنا للمسلمين طعاما، و هيانا لدوابكم علفا كثيرا.فقال (ع): اما هذا الذى زعمتم انه فيكم خلق تعظمون به الامراء فو الله ما ينفع ذلك الامراء، و انكم لتشقون به على انفسكم و ابدانكم، فلا تعودوا له.و اما دوابكم هذه، فان احببتم ان آخذها منكم، و احسبها لكم من خراجكم اخذناها منكم.و اما طعامكم الذى صنعتم لنا، فانا نكره ان ناكل من اموالكم الا بثمن.قالوا: يا اميرالمومنين، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه، قال: اذا لاتقومونه قيمته، نحن نكتفى بما هو دونه.قالوا: يا اميرالمومنين، فان لنا من العرب موالى و معارف، اتمنعنا ان نهدى لهم او تمنعهم ان يقبلوا منا؟ فقال: كل العرب لكم موال، و ليس ينبغى لاحد من المسلمين ان يقبل هديتكم، و ان غصبكم احد فاعلمونا.قالوا: يا اميرالمومنين، انا نحب ان تقبل هديتنا و كرامتنا.قال: ويحكم! فنحن اغنى منكم و تركهم و سار.قال نصر: و حدثنا عبدالعزيز بن سياه، قال: حدثنا حبيب بن ابى ثابت، قال: حدثنا (ابو) سعيد التيمى المعروف بعقيصى، قال: كنا مع على (ع) فى مسيره الى الشام، حتى اذا كن
ا بظهر الكوفه من جانب هذا السواد، عطش الناس و احتاجوا الى الماء، فانطلق بنا على (ع) حتى اتى (بنا) الى صخره ضرس فى الارض: كانها ربضه عنز، فامرنا فاقتلعناها، فخرج لنا من تحتها ماء فشرب الناس منه، و ارتووا.ثم امرنا فاكفاناها عليه.و سار الناس حتى اذا مضى قليلا، قال (ع): امنكم احد يعلم مكان هذا الماء الذى شربتم منه؟ قالوا: نعم يا اميرالمومنين، قال: فانطلقوا اليه، فانطلق منا رجال ركبانا و مشاه، فاقتصصنا الطريق اليه، حتى انتهينا الى المكان الذى نرى انه فيه، فطلبناه، فلم نقدر على شى ء، حتى اذا عيل علينا انطلقنا الى دير قريب منا، فسالناهم: اين هذا الماء الذى عندكم؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا: بلى انا شربنا منه، قالوا: انتم شربتم منه! قلنا: نعم، فقال صاحب الدير: و الله ما بنى هذا الدير الا بذلك الماء، و ما استخرجه الا نبى او وصى نبى.قال نصر: ثم مضى (ع)، حتى نزل بارض الجزيره، فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بجزور، فقال (ع) ليزيد بن قيس الارحبى: يا يزيد، قال: لبيك يا اميرالمومنين! قال: هولاء قومك، من طعامهم فاطعم، و من شرابهم فاشرب.قال: ثم سار حتى اتى الرقه- و جل اهلها عثمانيه، فروا من الكوفه الى معاويه- فاغلقوا
ابوابها دونه، و تحصنوا، و كان اميرهم سماك بن مخرقه الاسدى فى طاعه معاويه، و قد كان فارق عليا (ع) فى نحو من مائه رجل من بنى اسد، ثم كاتب معاويه، و اقام بالرقه حتى لحق به سبعمائه رجل.قال نصر: فروى حبه ان عليا (ع) لما نزل على الرقه، نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات، فنزل راهب هناك من صومعته، فقال لعلى (ع): ان عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا، كتبه اصحاب عيسى بن مريم، اعرضه عليك؟ قال: نعم، فقرا الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.الذى قضى فيما قضى، و سطر فيما كتب: انه باعث فى الاميين رسولا منهم، يعلمهم الكتاب و الحكمه، و يدلهم على سبيل الله، لافظ و لا غليظ، و لا صخاب فى الاسواق، و لايجزى بالسيئه السيئه، بل يعفو و يصفح، امته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر، و فى كل صعود و هبوط، تذل السنتهم بالتكبير و التهليل، و التسبيح، و ينصره الله على من ناواه، فاذا توفاه الله، اختلفت امته من بعده، ثم اجتمعت، فلبثت ما شاء الله، ثم اختلفت، فيمر رجل من امته بشاطى ء هذا الفرات، يامر بالمعروف و ينهى عن المنكر، و يقضى بالحق و لايركس الحكم، الدنيا اهون عليه من الرماد فى يوم عصفت به الريح، و الموت اهون عليه من شرب الما
ء على الظمان.يخاف الله فى السر، و ينصح له فى العلانيه، لايخاف فى الله لومه لائم، فمن ادرك ذلك النبى من اهل هذه البلاد فامن به كان ثوابه رضوانى و الجنه، و من ادرك ذلك العبد الصالح فلينصره، فان القتل معه شهاده.ثم قال له: انا مصاحبك، فلا افارقك حتى يصيبنى ما اصابك.فبكى (ع) ثم قال: الحمد لله الذى لم اكن عنده منسيا، الحمد لله الذى ذكرنى عنده فى كتب الابرار.فمضى الراهب معه، فكان فيما ذكروا يتغدى مع اميرالمومنين و يتعشى، حتى اصيب يوم صفين، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال (ع): اطلبوه، فلما وجدوه صلى عليه و دفنه.و قال: هذا منا اهل البيت، و استغفر له مرارا.روى هذا الخبر نصر بن مزاحم فى كتاب "صفين" عن عمر بن سعد، عن مسلم الاعور، عن حبه العرنى.و رواه ايضا ابراهيم بن ديزيل الهمدانى، بهذا الاسناد عن حبه ايضا فى كتاب صفين.و روى ابن ديزيل فى هذا الكتاب، قال: حدثنى يحيى بن سليمان حدثنى يحيى بن عبدالملك بن حميد بن عتيبه، عن ابيه، عن اسماعيل بن رجاء، عن ابيه و محمد ابن فضيل، عن الاعمش، عن اسماعيل بن رجاء، عن ابى سعيد الخدرى، رحمه الله قال: كنا مع رسول الله (ص)، فانقطع شسع نعله، فالقاها الى على (ع) يصلحها، ثم قال: (ان