خطبه 207-خطبه اى در صفين - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 207-خطبه اى در صفين

الشرح:

الذى له عليهم من الحق هو وجوب طاعته، و الذى لهم عليه من الحق هو وجوب معدلته فيهم.

و الحق اوسع الاشياء فى التواصف، و اضيقها فى التناصف، معناه ان كل احد يصف الحق و العدل، و يذكر حسنه و وجوبه، و يقول: لو وليت لعدلت، فهو بالوصف باللسان وسيع، و بالفعل ضيق، لان ذلك العالم العظيم الذين كانوا يتواصفون حسنه، و يعدون ان لو ولوا باعتماده و فعله، لاتجد فى الالف منهم واحدا لو ولى لعدل.

و لكنه قول بغير عمل.

ثم عاد الى تقرير الكلام الاول، و هو وجوب الحق له و عليه، فقال: انه لايجرى لاحد الا و جرى عليه، و كذلك لايجرى عليه الا و جرى له، اى ليس و لا واحد من الموجودين بمرتفع عن ان يجرى الحق عليه، و لو كان احد من الموجودين كذلك لكان احقهم بذلك البارى ء سبحانه، لانه غايه الشرف، بل هو فوق الشرف و فوق الكمال و التمام، و هو مالك الكل، و سيد الكل، فلو كان لجواز هذه القضيه وجه، و لصحتها مساغ، لكان البارى ء تعالى اولى بها، و هى الا يستحق عليه شى ء، و تقدير الكلام: لكنه يستحق عليه امور، فهو فى هذا الباب كالواحد منا يستحق و يستحق عليه، و لكنه (ع) حذف هذا الكلام المقدر، ادبا و اجلالا لله تعالى ان يقول: انه يستحق علي
ه شى ء.

فان قلت: فما بال المتكلمين لايتادبون بادبه (ع)! و كيف يطلقون عليه تعالى الوجوب و الاستحقاق! قلت: ليست وظيفه المتكلمين وظيفه اميرالمومنين (ع) فى عباراتهم، هولاء ارباب صناعه، و علم يحتاج الى الفاظ و اصطلاح لا بد لهم من استعماله، للافهام و الجدل بينهم، و اميرالمومنين امام يخطب على منبره، يخاطب عربا و رعيه ليسوا من اهل النظر، و لا مخاطبته لهم لتعليم هذا العلم، بل لاستنفارهم الى حرب عدوه، وجب عليه بمقتضى الادب ان يتوقى كل لفظه توهم ما يستهجنه السامع فى الامور الالهيه و فى غيرها.

فان قلت: فما هذه الامور التى زعمت انها تستحق على البارى ء سبحانه، و ان اميرالمومنين (ع) حذفها من اللفظ، و اللفظ يقتضيها؟ قلت: الثواب، و العوض، و قبول التوبه، و اللطف، و الوفاء بالوعد، و الوعيد، و غير ذلك مما يذكره اهل العدل.

فان قلت: فما معنى قوله: (لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، و لعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه)؟ وهب ان تعليل عدم استحقاق شى ء على الله تعالى بقدرته على عباده صحيح، كيف يصح تعليل ذلك بعدله فى كل ما جرت عليه صروف قضائه؟ الا ترى انه ليس بمستقيم ان تقول لايستحق على البارى ء شى ء، لانه عادل، و
انما المستقيم ان تقول لايستحق عليه شى ء، لانه مالك، و لذلك عللت الاشعريه هذا الحكم بانه مالك الكل، و الاستحقاق انما يكون على من دونه.

قلت: التعليل صحيح، و هو ايضا مما عللت به الاشعريه مذهبها، و ذلك لانه انما يتصور الاستحقاق على الفاعل المختار اذا كان ممن يتوقع منه او يصح منه ان يظلم، فيمكن حينئذ ان يقال: قد وجب عليه كذا، و استحق عليه كذا، فاما من لايمكن ان يظلم، و لايتصور وقوع الظلم منه، و لا الكذب، و لاخلف الوعد و الوعيد، فلا معنى لاطلاق الوجوب و الاستحقاق عليه، كما لايقال: كذا الداعى الخالص يستحق عليه ان يفعل ما دعاه اليه الداعى، و يجب عليه ان يفعل ما دعاه اليه الداعى، مثل الهارب من الاسد، و الشديد العطش اذا وجد الماء، و نحو ذلك.

فان قلت: اليس يشعر قوله (ع): (و جعل جزائهم عليه مضاعفه الثواب تفضلا منه) بمذهب البغداديين من اصحابكم، و هو قولهم: ان الثواب تفضل من الله سبحانه، و ليس بواجب! قلت: لا، و ذلك لانه جعل المتفضل به، هو مضاعفه الثواب، لا اصل الثواب، و ليس ذلك بمستنكر عندنا.

فان قلت: ايجوز عندكم ان يستحق المكلف عشره اجزاء من الثواب فيعطى عشرين جزئا منه؟ اليس من مذهبكم ان التعظيم و التبجيل لايجوز من البارى
ء سبحانه ان يفعلهما فى الجنه الا على قدر الاستحقاق، و الثواب عندكم هو النفع المقارن للتعظيم و التبجيل؟ فيكف قلت: ان مضاعفه الثواب عندنا جائزه! قلت: مراده (ع) بمضاعفه الثواب هنا زياده غير مستحقه من النعيم و اللذه الجسمانيه خاصه فى الجنه، فسمى تلك اللذه الجسمانيه ثوابا لانها جزء من الثواب، فاما اللذه العقليه فلا يجوز مضاعفتها.

قوله (ع): (بما هو من المزيد اهله اى بما هو اهله)، اى بما هو اهله من المزيد، فقدم الجار و المجرور و موضعه نصب على الحال، و فيه دلاله على ان حال المجرور تتقدم عليه، كما قال الشاعر: لئن كان برد الماء حران صاديا الى حبيبا انها لحبيب

الشرح:

تتكافا فى وجوهها: تتساوى و هى حق الوالى على الرعيه، و حق الرعيه على الوالى.

و فريضه، قد روى بالنصب و بالرفع، فمن رفع فخبر مبتدا محذوف، و من نصب فباضمار فعل، او على الحال.

و جرت على اذلالها السنن، بفتح الهمزه، اى على مجاريها و طرقها.

و اجحف الوالى برعيته: ظلمهم.

و الادغال فى الدين: الفساد.

و محاج السنن: جمع محجه، و هى جاده الطريق.

قوله: (و كثرت علل النفوس)، اى تعللها بالباطل.

و من كلام الحجاج: اياكم و علل النفوس، فانها ادوى لكم من علل الاجساد.

و ا
قتحمته العيون: احتقرته و ازدرته، قال ابن دريد: و منه ما تقتحم العين فان ذقت جناه ساغ عذبا فى اللها و مثل قوله (ع): (و ليس امرو و ان عظمت فى الحق منزلته)، قول زيد بن على (ع) لهشام بن عبدالملك: انه ليس احد و ان عظمت منزلته بفوق ان يذكر بالله، و يحذر من سطوته، و ليس احد و ان صغر بدون ان يذكر بالله و يخوف من نقمته.

و مثل قوله (ع): (و اذا غلبت الرعيه واليها) قول الحكماء: اذا علا صوت بعض الرعيه على الملك فالملك مخلوع، فان قال: نعم، فقال احد من الرعيه: لا، فالملك مقتول.

(فصل فيما ورد من الاثار فيما يصلح الملك) و قد جاء فى وجوب الطاعه لاولى الامر الكثير الواسع، قال الله سبحانه: (اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولى الامر منكم).

و روى عبدالله بن عمر عن رسول الله (ص): (السمع و الطاعه على المرء المسلم فيما احب و كره ما لم يومر بمعصيه، فاذا امر بها فلا سمع و لا طاعه).

و عنه (ص): (ان امر عليكم عبد اسود مجدع فاسمعوا له و اطيعوا).

و من كلام على (ع): (ان الله جعل الطاعه غنيمه الاكياس عند تفريط الفجره).

بعث سعد بن ابى وقاص جرير بن عبدالله البجلى من العراق الى عمر بن الخطاب بالمدينه، فقال له عمر: كيف تركت الناس؟ قال: تر
كتهم كقداح الجعبه، منها الاعصل الطائش، و منها القائم الرائش.

قال: فكيف سعد لهم؟ قال: هو ثقافها، الذى يقيم اودها، و يغمز عصلها.

قال: فكيف طاعتهم؟ قال: يصلون الصلاه لاوقاتها، و يودون الطاعه الا ولاتها.

قال: الله اكبر! اذا اقيمت الصلاه، اديت الزكاه، و اذا كانت الطاعه، كانت الجماعه.

و من كلام ابرويز الملك: اطع من فوقك يطعك من دونك.

و من كلام الحكماء: قلوب الرعيه خزائن واليها، فما اودعه فيها وجده.

و كان يقال: صنفان متباغضان متنافيان: السلطان و الرعيه، و هما مع ذلك متلازمان، ان اصلح احدهما صلح الاخر، و ان فسد فسد الاخر.

و كان يقال: محل الملك من رعيته محل الروح من الجسد، و محل الرعيه منه محل الجسد من الروح، فالروح تالم بالم كل عضو من اعضاء البدن، و ليس كل واحد من الاعضاء يالم بالم غيره، و فساد الروح فساد جميع البدن، و قد يفسد بعض البدن و غيره من سائر البدن صحيح.

و كان يقال: ظلم الرعيه استجلاب البليه.

و كان يقال: العجب ممن استفسد رعيته، و هو يعلم ان عزه بطاعتهم! و كان يقال: موت الملك الجائر خصب شامل.

و كان يقال: لا قحط اشد من جور السلطان.

و كان يقال: قد تعامل الرعيه المشمئزه بالرفق، فتزول احقادها، و يذل قيادها، و قد
تعامل بالخرق فتكاشف بما غيبت، و تقدم على ما عيبت، حتى يعود نفاقها شقاقا، و رذاذها سيلا بعاقا.

ثم ان غلبت و قهرت فهو الدمار، و ان غلبت و قهرت لم يكن يغلبها افتخار، و لم يدرك بقهرها ثار.

و كان يقال: الرعيه و ان كانت ثمارا مجتناه، و ذخائر مقتناه، و سيوفا منتضاه، و احراسا مرتضاه، فان لها نفارا كنفار الوحوش، و طغيانا كطغيان السيول، و متى قدرت ان تقول، قدرت على ان تصول.

و كان يقال: ايدى الرعيه تبع السنتها، فلن يملك الملك السنتها حتى يملك جسومها و لن يملك جسومها حتى يملك قلوبها فتحبه، و لن تحبه حتى يعدل عليها فى احكامه عدلا يتساوى فيه الخاصه و العامه، و حتى يخفف عنها المون و الكلف، و حتى يعفيها من رفع اوضاعها و اراذلها عليها، و هذه الثالثه تحقد على الملك العليه من الرعيه، و تطمع السفله فى الرتب السنيه.

و كان يقال: الرعيه ثلاثه اصناف: صنف فضلاء مرتاضون بحكم الرياسه و السياسه، يعلمون فضيله الملك و عظيم غنائه، و يرثون له من ثقل اعبائه، فهولاء يحصل الملك موداتهم بالبشر عند اللقاء، و يلقى احاديثهم بحسن الاصغاء.

و صنف فيهم خير و شر ظاهران، فصلاحهم يكتسب من معاملتهم بالترغيب و الترهيب، و صنف من السفله الرعاع اتباع لكل داع
، لايمتحنون فى اقوالهم و اعمالهم بنقد، و لايرجعون فى الموالاه الى عقد.

و كان يقال: ترك المعاقبه للسفله على صغار الجرائم تدعوهم الى ارتكاب الكبائر العظائم، الا ترى اول نشور المراه كلمه سومحت بها، و اول حران الدابه حيده سوعدت عليها.

و يقال: ان عثمان قال يوما لجلسائه، و هو محصور فى الفتنه: وددت ان رجلا صدوقا اخبرنى عن نفسى و عن هولاء! فقام اليه فتى فقال: انى اخبرك، تطاطات لهم فركبوك، و ما جراهم على ظلمك الا افراط حلمك.

قال: صدقت، فهل تعلم ما يشب نيران الفتن! قال: نعم، سالت عن ذلك شيخا من تنوخ كان باقعه، قد نقب فى الارض و علم علما جما، فقال: الفتنه يثيرها امران: اثره تضغن على الملك الخاصه، و حلم يجزى ء عليه العامه.

قال: فهل سالته عما يخمدها؟ قال: نعم، زعم ان الذى يخمدها فى ابتدائها استقاله العثره و تعميم الخاصه بالاثره، فاذا استحكمت الفتنه اخمدها الصبر.

قال عثمان: صدقت، و انى لصابر حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين.

و يقال: ان يزدجرد بن بهرام سال حكيما: ما صلاح الملك؟ قال: الرفق بالرعيه، و اخذ الحق منها بغير عنف و التودد اليها بالعدل و امن السبل و انصاف المظلوم.

قال: فما صلاح الملك؟ قال: وزراوه، اذا صلحوا صلح
.

قال: فما الذى يثير الفتن؟ قال: ضغائن يظهرها جراه عامه، و استخفاف خاصه، و انبساط الالسن بضمائر القلوب، و اشفاق موسر، و امن معسر، و غفله مرزوق، و يقظه محروم.

قال: و ما يسكنها؟ قال: اخذ العده لما يخاف، و ايثار الجد حين يلتذ الهزل، و العمل بالحزم، و ادراع الصبر، و الرضا بالقضاء.

و كان يقال: خير الملوك من اشرب قلوب رعيته محبته، كما اشعرها هيبته، و لن ينال ذلك منها حتى تظفر منه بخمسه اشياء: اكرام شريفها، و رحمه ضعيفها، و اغاثه لهيفها، و كف عدوان عدوها، و تامين سبل رواحها و غدوها، فمتى اعدمها شيئا من ذلك، فقد احقدها بقدر ما افقدها.

و كان يقال: الاسباب التى تجر الهلك الى الملك ثلاثه: احدها من جهه الملك، و هو ان تتامر شهواته على عقله، فتستهويه نشوات الشهوات فلا تسنح له لذه الا اقتنصها، و لا راحه الا افترصها.

و الثانى من جهه الوزراء، و هو تحاسدهم المقتضى تعارض الاراء، فلا يسبق احدهم الى حق الا كويد و عورض و عوند.

و الثالث من جهه الجند الموهلين لحراسه الملك و الدين، و توهين المعاندين، و هو نكولهم عن الجلاد، و تضجيعهم فى المناصحه و الجهاد، و هم صنفان: صنف وسع الملك عليهم فابطرهم الاتراف، و ضنوا بنفوسهم عن التعريض للات
لاف، و صنف قدر عليهم الارزاق، فاضطغنوا الاحقاد و استشعروا النفاق.

(الاثار الوارده فى العدل و الانصاف) قوله (ع): (او اجحف الوالى برعيته) قد جاء من نظائره الكثير جدا، و قد ذكرنا فيما تقدم نكتا حسنه فى مدح العدل و الانصاف، و ذم الظلم و الاجحاف.

و قال النبى (ص): (زين الله السماء بثلاثه: الشمس، و القمر، و الكواكب.

و زين الارض بثلاثه: العلماء، و المطر، و السلطان العادل).

و كان يقال: اذا لم يعمر الملك ملكه بانصاف الرعيه خرب ملكه بعصيان الرعيه.

و قيل لانوشروان: اى الجنن اوقى؟ قال: الدين، قيل: فاى العدد اقوى؟ قال: العدل.

وقع جعفر بن يحيى الى عامل من عماله: كثر شاكوك، و قل حامدوك، فاما عدلت، و اما اعتزلت.

وجد فى خزانه بعض الاكاسره سفط، ففتح فوجد فيه حب الرمان، كل حبه كالنواه الكبيره من نوى المشمش، و فى السفط رقعه فيها: هذا حب رمان عملنا فى خراجه بالعدل.

جاء رجل من مصر الى عمر بن الخطاب متظلما، فقال: يا اميرالمومنين، هذا مكان العائذ بك.

قال له: عذت بمعاذ، ما شانك، قال: سابقت ولد عمرو بن العاص بمصر فسبقته، فجعل يعنفنى بسوطه، و يقول: انا ابن الاكرمين! و بلغ اباه ذلك، فحبسنى خشيه ان اقدم عليك، فكتب الى عمرو: اذا اتاك
كتابى هذا فاشهد الموسم انت و ابنك.

فلما قدم عمرو و ابنه، دفع الدره الى المصرى، و قال: اضربه كما ضربك، فجعل يضربه و عمر يقول: اضرب ابن الامير، اضرب ابن الامير! يرددها، حتى قال: يا اميرالمومنين قد استقدت منه، فقال- و اشار الى عمرو: ضعها على صلعته، فقال المصرى: يا اميرالمومنين، انما اضرب من ضربنى، فقال: انما ضربك بقوه ابيه و سلطانه، فاضربه ان شئت، فو الله لو فعلت لما منعك احد منه، حتى تكون انت الذى تتبرع بالكف عنه! ثم قال: يابن العاص، متى تعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرار! خطب الاسكندر جنده، فقال لهم بالروميه كلاما تفسيره: يا عبادالله، انما الهكم الله الذى فى السماء، الذى نصرنا بعد حين، الذى يسقيكم الغيث عند الحاجه، و اليه مفزعكم عند الكرب.

و الله لايبلغنى ان الله احب شيئا الا احببته و عملت به الى يوم اجلى، و لايبلغنى انه ابغض شيئا الا ابغضته و هجرته الى يوم اجلى.

و قد انبئت ان الله يحب العدل فى عباده، و يبغض الجور، فويل للظالم من سوطى و سيفى! و من ظهر منه العدل من عمالى فليتكى ء فى مجلسى كيف شاء، و ليتمن على ما شاء، فلن تخطئه امنيته و الله المجازى كلا بعمله.

قال رجل لسليمان بن عبدالملك و هو جالس للمظالم: يا اميرالمومنين، الم تسمع قول الله تعالى: (فاذن موذن بينهم ان لعنه الله على الظالمين) قال: ما خطبك؟ قال: وكيلك اغتصبنى ضيعتى و ضمها الى ضيعتك الفلانيه.

قال: فان ضيعتى لك، و ضيعتك مردوده اليك.

ثم كتب الى الوكيل بذلك و بصرفه عن عمله.

و رقى الى كسرى قباذ ان فى بطانه الملك قوما قد فسدت نياتهم، و خبثت ضمائرهم، لان احكام الملك جرت على بعضهم لبعضهم، فوقع فى الجواب: انا املك الاجساد لا النيات، و احكم بالعدل لا بالهوى، و افحص عن الاعمال لا عن السرائر.

و تظلم اهل الكوفه الى المامون من واليهم، فقال: ما علمت فى عمالى اعدل و لااقوم بامر الرعيه، و لااعود بالرفق منه، فقال له منهم واحد: فلا احد اولى منك يا اميرالمومنين بالعدل و الانصاف، و اذا كان بهذه الصفه فمن عدل امير المومنين ان يوليه بلدا بلدا، حتى يلحق اهل كل بلد من عدله، مثل ما لحقنا منه، و ياخذوا بقسطهم منه كما اخذ منه سواهم، و اذا فعل اميرالمومنين ذلك لم يصب الكوفه منه اكثر من ثلاث سنين.

فضحك و عزله.

كتب عدى بن ارطاه الى عمر بن عبدالعزيز: اما بعد، فان قبلنا قوما لايودون الخراج الا ان يمسهم نصب من العذاب، فاكتب الى اميرالمومنين برايك.

فكتب: اما بعد، فالعجب لك كل العجب
! تكتب الى تستاذننى فى عذاب البشر، كان اذنى لك جنه من عذاب الله، او كان رضاى ينجيك من سخط الله! فمن اعطاك ما عليه عفوا فخذ منه، و من ابى فاستحلفه، و كله الى الله، فلان يلقوا الله بجرائمهم احب الى من ان القاه بعذابهم.

فضيل بن عياض: ما ينبغى ان تتكلم بفيك كله! اتدرى من كان يتكلم بفيه كله! عمر بن الخطاب كان يعدل فى رعيته، و يجور على نفسه، و يطعمهم الطيب، و ياكل الغليظ، و يكسوهم اللين و يلبس الخشن، و يعطيهم الحق و يزيدهم، و يمنع ولده و اهله، اعطى رجلا عطائه اربعه آلاف درهم، ثم زاده الفا، فقيل له: الا تزيد ابنك عبدالله كما تزيد هذا؟ فقال: ان هذا ثبت ابوه يوم احد، و ان عبدالله فر ابوه و لم يثبت.

و كان يقال: لايكون العمران، الا حيث يعدل السطان.

و كان يقال: العدل حصن وثيق، فى راس نيق، لايحطمه سيل، و لايهدمه منجنيق.

وقع المامون الى عامل كثر التظلم منه: انصف من وليت امرهم، و الا انصفهم منك من ولى امرك.

بعض السلف: العدل ميزان الله، و الجور مكيال الشيطان.

الشرح:

هذا الفصل و ان لم يكن فيه الفاظ غريبه سبيلها ان تشرح، ففيه معان مختلفه سبيلها ان تذكر و توضح، و تذكر نظائرها و ما يناسبها.

فمنها قوله (ع): ان من حق من عظمت نعمه الله عليه ان تعظم عليه حقوق الله تعالى، و ان يعظم جلال الله تعالى فى نفسه، و من حق من كان كذلك، ان يصغر عنده كل ما سوى الله.

و هذا مقام جليل من مقامات العارفين، و هو استحقار كل ما سوى الله تعالى، و ذلك ان من عرف الله تعالى فقد عرف ما هو اعظم من كل عظيم، بل لا نسبه لشى ء من الاشياء اصلا اليه سبحانه.

فلا يظهر عند العارف عظمه غيره البته، كما ان من شاهد الشمس المنيره يستحقر ضوء القمر و السراج الموضوع فى ضوء الشمس، حال مشاهدته جرم الشمس، بل لاتظهر له فى تلك الحال صنوبره السراج، و لاتنطبع صورتها فى بصره.

و منها قوله (ع): من اسخف حالاه الولاه ان يظن بهم حب الفخر و يوضع امرهم على الكبر.

قال النبى (ص): (لايدخل الجنه من كان فى قلبه مثقال حبه من كبر).

و قال (ص): (لو لا ثلاث مهلكات لصلح الناس: شح مطاع، و هوى متبع، و اعجاب المرء بنفسه).

و كان يقال: ليس لمعجب راى، و لا لمتكبر صديق.

و كان ابومسلم صاحب الدوله يقول: ما تاه الا وضيع، و لافاخر ا
لا لقيط، و لاتعصب الا دخيل.

و قال عمر لبعض ولده: التمس الرفعه بالتواضع، و الشرف بالدين، و العفو من الله بالفعو عن الناس.

و اياك و الخيلاء فتضع من نفسك، و لاتحقرن احدا، لانك لاتدرى لعل من تزدريه عيناك اقرب الى الله وسيله منك.

و منها قوله (ع): قد كرهت ان تظنوا بى حب الاطراء و استماع الثناء.

قد روى عن النبى (ص) انه قال: (احثوا فى وجوه المداحين التراب).

و قال عمر: المدح هو الذبح.

و كان يقال: اذا سمعت الرجل يقول فيك، من الخير ما ليس فيك فلا تامن ان يقول فيك من الشر ما ليس فيك.

و يقال: ان فى بعض الكتب المنزله القديمه: عجبا لمن قيل فيه الخير و ليس فيه كيف يفرح! و لمن قيل فيه الشر و ليس فيه كيف يغضب! و اعجب من ذلك من احب نفسه على اليقين! و ابغض الناس على الظن.

و كان يقال: لايغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك.

و قال رجل لعبد الملك: انى اريد ان اسر اليك يا اميرالمومنين شيئا، فقال لمن حوله: اذا شئتم فانهضوا! فتقدم الرجل يريد الكلام، فقال له عبدالملك: قف، لاتمدحنى فانى اعلم بنفسى منك، و لاتكذبنى فانه لاراى لمكذوب، و لاتغتب عندى احدا، فانى اكره الغيبه، قال: ا فياذن اميرالمومنين فى الانصراف! قال: اذا شئت.

و ناظر المامون محمد بن
القاسم النوشجانى فى مساله كلاميه، فجعل النوشجانى يخضع فى الكلام، و يستخذى له، فقال: يا محمد، اراك تنقاد الى ما اقوله قبل وجوب الحجه لى عليك.

و قد سائنى منك ذلك، و لو شئت ان افسر الامور بعزه الخلافه، و هيبه الرياسه لصدقت و ان كنت كاذبا، و عدلت و ان كنت جائرا، و صوبت و ان كنت مخطئا، و لكنى لااقنع الا باقامه الحجه، و ازاله الشبهه، و ان انقص الملوك عقلا، و اسخفهم رايا من رضى بقولهم: صدق الامير! و قال عبدالله بن المقفع فى "اليتيمه": اياك اذا كنت واليا ان يكون من شانك حب المدح و التزكيه، و ان يعرف الناس ذلك منك فتكون ثلمه من الثلم يقتحمون عليك منها، و بابا يفتتحونك منه، و غيبه يغتابونك بها، و يسخرون منك لها.

و اعلم ان قابل المدح كمادح نفسه، و ان المرء جدير ان يكون حبه المدح هو الذى يحمله على رده، فان الراد له ممدوح، و القابل له معيب.

و قال معاويه لرجل: من سيد قومك؟ قال: انا قال لو كنت كذلك لم تقله.

و قال الحسن: ذم الرجل نفسه فى العلانيه مدح لها فى السر.

كان يقال: من اظهر عيب نفسه فقد زكاها.

و منها قوله (ع) لو كنت كذلك لتركته انحطاطا لله تعالى عن تناول ما هو احق به من الكبرياء.

فى الحديث المرفوع: (من تواضع لله رفعه
الله، و من تكبر خفضه الله).

و فيه ايضا: العظمه ازارى، و الكبرياء ردائى، فمن نازعنى فيهما قصمته.

و منها قوله (ع): (فلا تكلمونى بما تكلم به الجبابره، و لاتتحفظوا منى بما يتحفظ به عند اهل البادره).

احسن ما سمعته فى سلطان لاتخاف الرعيه بادرته، و لا يتلجلج المتحاكمون عنده، مع سطوته و قوته، لايثاره العدل.

قول ابى تمام فى محمد بن عبدالملك: وزير حق، و والى شرطه و رحا ديوان ملك، و شيعى، و محتسب كالارحبى المذكى سيره المرطى و الوخد و الملع و التقريب و الخبب عود تساجله ايامه فبها من مسه و به من مسها جلب ثبت الخطاب اذا اصطكت بمظلمه فى رحله السن الاقوام و الركب لا المنطق اللغو يزكو فى مقاومه يوما و لا حجه الملهوف تستلب كانما هو فى نادى قبيلته لا القلب يهفو و لا الاحشاء تضطرب و من هذا المعنى قول ابى الجهم العدوى، فى معاويه: نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر منهما كرما و لينا نميل على جوانبه كانا اذا ملنا نميل على ابينا و منها قوله (ع): لاتظنوا بى استثقال رفع الحق الى، فانه من استثقل الحق ان يقال له، كان العمل به عليه اثقل.

هذا معنى لطيف، و لم اسمع منه شيئا منثورا و لا منظوما.

و منها قوله (ع): و لاتك
فوا عن قول بحق او مشوره بعدل.

قد ورد فى المشوره شى ء كثير: قال الله تعالى: (و شاورهم فى الامر).

و كان يقال: اذا استشرت انسانا صار عقله لك.

و قال اعرابى: ما غبنت قط حتى يغبن قومى، قيل: و كيف ذك؟ قال: لاافعل شيئا حتى اشاورهم.

و كان يقال: من اعطى الاستشاره لم يمنع الصواب، و من اعطى الاستخاره لم يمنع الخيره، و من اعطى التوبه لم يمنع القبول، و من اعطى الشكر لم يمنع المزيد.

و فى اداب ابن المقفع: لايقذ فن فى روعك انك اذا استشرت الرجال ظهر منك للناس حاجتك الى راى غيرك فيقطعك ذلك عن المشاوره، فانك لاتريد الراى للفخر، و لكن للانتفاع، به و لو انك اردته للذكر لكان احسن الذكر عند العقلا ان يقال: انه لاينفرد برايه ذوى الراى من اخوانه.

و منها ان يقال: ما معنى قوله: (ع): (و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء...) الى قوله: (لا بد من امضائها)؟ فنقول: ان معناه ان بعض من يكره الاطراء و الثناء، قد يحب ذلك بعد البلاء و الاختبار، كما قال مرداس بن اديه لزياد: انما الثناء بعد البلاء، و انما نثنى بعد ان نبتلى، فقال: لو فرضنا ان ذلك سائغ و جائز و غير قبيح، لم يجز لكم ان تثنوا على فى وجهى، و لا جاز لى ان اسمعه منكم، لانه قد بقيت على ب
قيه لم افرغ من ادائها، و فرائض لم امضها بعد، و لا بد لى من امضائها، و اذا لم يتم البلاء الذى قد فرضنا ان الثناء يحسن بعده، لم يحسن الثناء.

و معنى قوله: (لاخراجى نفسى الى الله و اليكم) اى لاعترافى بين يدى الله و بمحضر منكم ان على حقوقا فى ايالتكم، و رياستى عليكم، لم اقم بها بعد، و ارجوا من الله القيام بها.

و منها ان يقال: ما معنى قوله: (فلا تخالطونى بالمصانعه) فنقول: ان معناه لاتصانعونى بالمدح و الاطراء عن عمل الحق، كما يصانع به كثير من الولاه الذين يستفزهم المدح و يستخفهم الاطراء و الثناء، فيغمضون عن اعتماد كثير من الحق مكافاه لما صونعوا به من التقريظ و التزكيه و النفاق.

و منها قوله (ع): (فانى لست بفوق ان اخطى ء)، هذا اعتراف منه (ع) بعدم العصمه، فاما ان يكون الكلام على ظاهره، او يكون قاله على سبيل هضم النفس، كما قال رسول الله (ص): (و لا انا الا ان يتداركنى الله برحمته).

و منها قوله (ع): (اخرجنا مما كنا فيه، فابدلنا بعد الضلاله بالهدى، و اعطانا البصيره بعد العمى).

ليس هذا اشاره الى خاص نفسه (ع)، لانه لم يكن كافرا فاسلم، و لكنه كلام يقوله و يشير به الى القوم الذين يخاطبهم من افناء الناس، فياتى بصيغه الجمع الدا
خله فيها نفسه توسعا، و يجوز ان يكون معناه: لو لا الطاف الله تعالى ببعثه محمد (ص) لكنت انا و غيرى على اصل مذهب الاسلاف من عباده الاصنام، كما قال تعالى لنبيه: (و وجدك ضالا فهدى) ليس معناه انه كان كافرا، بل معناه: لو لا اصطفاه الله تعالى لك لكنت كواحد من قومك.

و معنى (و وجدك ضالا)، اى و وجدك بعرضه للضلال، فكانه ضال بالقوه لا بالفعل.

/ 614